الإعلامي المتميز

أخي:

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا ويسعدنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة

التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا
منتدى الإعلامي المتميز

وكم يشرفني أن أقدم لك .. أخـوتنا وصداقـتـنا
التي تتسم بالطهر والمشاعر الصادقة
التي تنبع من قلوب مشرفيّ وأعضاء
هذا المنتدى السامي

أهــلا بك
يبقى فقط ان تسجل حضورك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الإعلامي المتميز

أخي:

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا ويسعدنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة

التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا
منتدى الإعلامي المتميز

وكم يشرفني أن أقدم لك .. أخـوتنا وصداقـتـنا
التي تتسم بالطهر والمشاعر الصادقة
التي تنبع من قلوب مشرفيّ وأعضاء
هذا المنتدى السامي

أهــلا بك
يبقى فقط ان تسجل حضورك

الإعلامي المتميز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الإعلامي المتميز

يهتم بالإعلامي وتطوير قدراته


    التوجهات الجديدة في التشريعات الإعلامية الحديثة

    admin
    admin
    Admin


    عدد المساهمات : 482
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 39

    التوجهات الجديدة في التشريعات الإعلامية الحديثة Empty التوجهات الجديدة في التشريعات الإعلامية الحديثة

    مُساهمة من طرف admin الخميس أكتوبر 06, 2011 10:18 pm



    التوجهات الجديدة في التشريعات الإعلامية الحديثة*
    د.علي قسايسية، جامعة الجزائر-3-
    نشرت في مجلة الاتصال والتنمية، العدد2-2011،
    دار النهضة العربية بيروت، لبنان


    تشكل إستراتيجيات الاتصال في المجتمعات ما بعد الصناعية، أو في مجتمعات ما بعد الحداثة، هامساً دائماً وانشغالاً مؤرقاً للمشتغلين والمهتمين بإدارة وتسيير هذه المجتمعات من سياسيين ومخططين وعلماء ومنفذين...يتمركز حول توفير أدوات وآليات إنتاج المعرفة انطلاقاً من البحث عن المادة الخام ل"الصناعة" المعرفية، المعلومة وتنظيمها وتخزينها واستعادتها وتداولها، عند الضرورة، عبر مختلف وسائط الاتصال الفردية والجماعية الجماهيرية التقليدية منها والإليكترونية.

    هذا الانشغال الدائم المؤرق للسلطات العمومية والتنظيمات السياسية وجمعيات المجتمع المدني، بما فيها النقابات المهنية الإعلامية على الأصعدة القطاعية والمحلية والوطنية والإقليمية والدولية، في كل المجتمعات، أملته، إلى حد ما على المستوى الوسائطي[1]، التحولات العميقة التي يحدثها التطور السريع لوسائل الاتصال الجماهيري، الجماعي والفردي، التقليدي والإلكتروني أو الرقمي، وكذلك بالنظر إلى الاتساع المضطرد لنطاق التدفق الحر للمعلومات متجاوزاً الحدود الجغرافية والعراقيل والمعوقات التقنية والإدارية والسياسية والثقافية...

    وعادة ما يصاحب التغيرات في الظواهر التقنو-اجتماعية، تغيير في إطارها القانوني، غالباً بطيء، يرمي نظرياً، إلى ضمان نوع من التوازن والانسجام بين مصالح وحقوق الأطراف المختلفة التي لها أسباب وغايات مختلفة إن لم تكن متباينة، وهو الإطار الذي يتسم عادة بنوع من الثبات نظراً لطبيعة المجال الذي يحاول تنظيمه والذي يرتبط ارتباط وثيقاً بمنظومة القيم السائدة في مجتمع من المجتمعات في فترة من الفترات الزمنية غالباً ممتدة في الزمان لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقيم الروحية.

    ترى كيف تتطور المظاهر القانونية الشرعية ضمن إستراتجيات الاتصال الحديثة التي أصبحت ضرورة لا غنى عنها في كل مجتمع كلاسيكي أو حديث إليكتروني- معلوماتي، حيث لازالت السلطات العمومية تتشبث باحتكار وامتلاك المعلومات مصداقا للمقولة الشهيرةّ " من يمتلك المعلومة يمتلك السلطة " ولازال المواطن يأمل في افتكاك الاعتراف بحقه في امتلاك هذه المعلومات وتوظيفها في ممارسة حقه في السلطة وفي السيادة، أي حقه في تقرير مصيره وفي اختيار الحكام عن دراية و إدراك ووعي. وما هي طبيعة الدور الذي تلعبه تكنولوجيات الإعلام والاتصال المتجددة[2] في هذه المعادلة بين ميول السلطات في كل مكان وزمان إلى فرض سيطرتها على المجتمع ومؤسساته وبين طموحات المواطن في التخلص من هذه السيطرة والتمتع بحقوقه الأساسية وفي مقدمتها الحق في الإعلام أو بعبارة حديثة أشمل الحق في الحق الاتصال[3]؟

    تتجه الديمقراطيات الحديثة، من خلال التشريعات المتعلقة بالإعلام، إلى تجسيد مبدأ سيادة المواطن الكاملة، وتلح على أن مؤسسات دولة القانون هي وسائل فقط، تستمد وجودها وشرعيتها واستمرارها من رضا المواطن عن أداء المرافق العمومية وأعوان الدولة الذين هم موارد بشرية مسخرة لتجسيد سياسة دولة المواطنة.

    في هذا السياق العام، نحاول من خلال هذه الورقة، المقارنة بين المبادئ العامة التي تقوم عليها التشريعات الإعلامية الحديثة، بهدف وضع تصور جديد للتشريع الإعلامي، متكيفا مع طبيعة قانون الإعلام، كما هو متعارف عليه عموما في المواثيق الدولية، والذي يفترض أنه يعني بالحق في الإعلام كحق شامل من حقوق المواطن و الإنسان، ولا يقتصر فقط على حق الإعلاميين المحترفين في الوصول إلى مصادر المعلومات والاطلاع على الآراء وتبادلها عبر وسائط الإعلام الجماهيرية، وهو يخاطب بالضرورة السلطات العمومية والجهات التي تمتلك المعلومات، وخاصة الرسمية منها التي يحتاجها المواطن لتوظيفها في اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، للإنسان في صيغة الجمع، ويأمرها بالعمل على توفير الشروط والظروف التي تمكن المواطن من الوصول إلى المعلومة تطبيقاً لقاعدة الحق في الإعلام الذي تكرسه معظم دساتير الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة والتي صادقت على الاتفاقيتين الدوليتين المتعلقتين بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية الصادرة منتصف العقد السابع من القرن الماضي.

    ومن جهة أخرى، نحاول في هذه الدراسة، إبراز ضرورة تنظم مهنة الصحافة ووسائط الاتصال الجماهيري الأخرى طبقا للقوانين العامة التجارية والمدنية والجنائية و الأخلاقيات و مواثيق الشرف المهنية، في سياق التصور العام للتشريع الإعلامي الحديث، خاصة في سياق الوظائف الإعلامية والثقافية للشبكة العالمية العنكبوتية، الانترنت، لاسيما وظيفة النشر الإلكتروني ووظيفة توزيع منتجات الصناعات الثقافية وإيصال الخدمة وتسليمها عند باب البيت "Home Delivery"[4].

    ويبدو لأول وهلة، أن هناك تناقضا جوهريا ترسخ في الأدبيات الإعلامية للثقافة الليبرالية المنتجة والمعممة للأنظمة التقليدية والحديثة لوسائل الاتصال الجماهيرية، حيث أن وضع قوانين للصحافة ووسائل الإعلام الجماهيرية، طبقا للمبادئ الليبرالية، يفضي بالضرورة إلى وضع قواعد ملزمة تتنافى في طبيعتها مع أبسط مبادئ حرية تداول المعلومات والأفكار والآراء في السوق الإعلامية الحرة، طبقا للمادة الأولى من التعديل الأول للدستوري الأمريكي التي تمنع الكونغرس الأمريكي، وهو أعلى سلطة في النظام الدستوري الأمريكي، من إصدار قانون يحد من حريات الإنسان [5].

    فعند الحديث عن تلك القوانين الخاصة في علاقتها بحرية تداول الإعلام، يتبادر إلى الذهن تلك القيود التي عملت السلطات العمومية على إنشائها في شكل قوانين تضفي الشرعية على أعمال تقيد حرية الصحافة ووسائل الإعلام الجماهيري الأخرى.

    ويبدو هذا الإشكال كنتيجة متراكمة لعلاقات الصراع بين السلطة و الصحافة الذي يطبع تاريخ الصحافة منذ اختراع حروف الطباعة على يد "غوتنبورغ " في القرن 15 الميلادي ، إلى الحروف البصرية التي أوجدها النظام البيناري في المعالجة الالكترونية للكلمات، و قد قاد هذا الإشكال وحدد نطاق معظم الدراسات القانونية – الإعلامية التي دأبت إما على "تجريم" الصحافة ووسائل الإعلام، و بالتالي شرعنة تدخل السلطات العمومية بالردع والزجر أو على "تجريم" السلطة و بالتالي اتهامها بخرق حرية الصحافة ووسائل الإعلام.

    غير أن هذا الإشكال بدأ يزول تدرجيا ، لما أخذت مبادئ المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام الجماهيرية تشق طريقها إلى مواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة الإعلامية ، بدأت طبيعة التشريعات الإعلامية تتغير من التركيز أساسا على تقييد حرية الإنسان، خاصة في ظل مبادئ النظرية السلطوية ، إلى التركيز أصلا على تدعيم الضمانات القانونية لممارسة هذه الحريات و توسيع مجالاتها بتقليص صلاحيات السلطات العمومية، بما فيها السلطة

    التشريعية و التزامها بتوفير الشروط المادية و التقنية لتمكين المواطن أو الإنسان من ممارسة هذه الحريات و توسيع مجالاتها بتقليص صلاحيات السلطات العمومية.

    التشريعات الإعلامية الحديثة، تتجه إذن و خاصة بعد أفول مفهومي الإعلام الاشتراكي و الإعلام الإنمائي، إلى رفع القيود القانونية و الإدارية والمادية و التكنولوجية التي تحول دون تمكن الإنسان من ممارسته الحرة لحقه في الإعلام.

    وقد بدأ التفكير جديا منذ سبعينيات القرن العشرين في وضع تصور جديد لمفهوم أكثر شمولية لحرية التفكير و الرأي و التعبير و الصحافة و الإعلام وغيرها من الحقوق المرتبطة بالحق في الوصول لمصدر المعلومة، يسمى الحق في الاتصال يتضمن جمع الحقوق التي اكتسبها الإنسان و التي قد يكتسبها بفضل التطور الفكري و العلمي و التكنولوجي.

    في محاولة لفهم وإدراك و استيعاب ملابسات هذا الإشكال المعقد، و محاولة تجاوز نطاق معالجة العلاقة التصادمية بين السلطة والصحافة، و تماشيا مع التطورات الفقهية و التكنولوجية الحديثة، تقترح هذه الورقة معالجة المفاهيم المرتبطة بحرية الإعلام و الاتصال و أحكام التشريعات الحديثة للإعلام في ضوء المنطلقات التمهيدية لمتطلبات الألفية الثالثة التي تتوجها "مظلة " الثقافة الليبرالية المعممة، و تحت تأثير الأثر البالغ لتكنولوجيا الاتصال التي (شبَّكت) العالم ، و جعلته بحق قرية متناهية في الصغر من حيث سرعة تدفق المعلومات و تداولها على نطاق و اسع لا يخدم حرية الإنسان الفرد و حسب ، ولكنه يمكن السلطات نفسها من اتخاذ القرارات المناسبة لخدمة هذا الفرد الذي هو علة وجودها، وفقا للأسس النظرية لثقافة القرن الواحد و العشرين.

    كما نطمح من خلال هذه المحاولة إلى الوصول إلى صيغة تنظيم متكيفة تسمح من الاستفادة إلى أقصى حد ممكن، من مزايا السيولة الإعلامية عبر السواتل و الشبكة الكونية للمعلومات، الأنترنات، والهواتف المحمولة، في تفتح شخصية الإنسان و ترقيتها من جهة و التقليص إلى أدنى حد ممكن من سلبياتها على السيادة والهوية والخصوصية من جهة أخرى.

    من هذا المنطلق ، نعالج تباعاً مفهوم التداول الحر للمعلومات و تطوره من خلال المقولة ( السوق الحرة ، مكان للأفكار الحرة ) ، و تشريع حرية الإعلام من خلال المواثيق والدساتير والقوانين الخاصة ( قوانين الصحافة ووسائل الإعلام وقوانين السرية و الخصوصية ) ثم من خلال التنظيمات المهنية ومواثيق الشرف المهني و أخلاقياته.

    1- مفهوم التداول الإعلامي الحر

    خلفية فلسفية: نظرية حرية الصحافة وانعكاساتها على التشريعات الإعلامية الأولية، ينصرف التفكير عند الحديث عن التداول الإعلامي الحر إلى المقولة البراغماتية التي باتت من المسلمات في المجتمعات الليبرالية الحديثة مفادها أن ( السوق الحرة مكان للأفكار الحرة ). و على الرغم من تعدد و تنوع وسائل و اتساع مجالات تداول المعلومات و الأفكار و الآراء، و التي يطلق عليها ( السوق الحرة ) كمنظومة مبادئ فلسفية و ممارسات، فإن العادة جرت على دراسة هذا الموضوع في نطاق تطور نظرية حرية الصحافة لكون الصحافة أقدم وسائل الإعلام و الاتصال الجماهيرية ، ارتبطت بها تاريخيا الصراعات المتعلقة بعلاقة الفرد بالسلطة ( روحية أو اجتماعية أو سياسية ) خاصة في مجال حريات الفرد الأساسية من مثل حريات التفكير و الكلام و الرأي و التعبير، حتى وإن كانت حرية الصحافة في التشريعات الحديثة تنصرف أكثر إلى حريات النشر و الطبع و التأليف و توزيع المنشورات ، فان أنواعا لا متناهية من حقوق الإنسان مثل الحق في الإعلام و الحق في الاتصال و الحق في الاطلاع و حق رفض الاتصال لها جذور فلسفة و تاريخية مشتركة مع مفهوم حرية الصحافة.

    إن مفهوم التداول الحر للإعلام يستدعي إذن الرجوع إلى الإطار الفلسفي و القانوني و التطبيقات الميدانية لمفهوم حرية الصحافة في ظل الثقافة الليبرالية، وهذا يقودنا إلى تناول خلفيات المفهوم الأخير ومكوناته وممارسته من خلال القوانين والتطبيقات الميدانية.

    لقد نشط البحث في ميدان وسائل الاتصال الجماهيرية بكيفية غير معتادة خلال النصف الأخير من القرن العشرين، وبداية العشرية الأولى من القرن الحالي[6]. و قد نجم عن ذلك وضع عدد كبير من النماذج والمقاربات و النظريات التي تساعد على فهم إشكالية و سائل الإعلام الجماهيرية، و من بين هذه النظريات وأقدمها نظرية " الصحافة الحرة " أو " النظرية الليبرالية لوسائل الاتصال الجماهيرية".

    و قد أصبحت فرضيات و مبادئ هذه النظرية موضوع خلاف حاد بين المفكرين و السياسيين والمهنيين على ضوء الحقائق الاجتماعية ووضعية السيولة الإعلامية عبر أمم العالم. و في نفس الوقت أصبحت تلك المبادئ و الفرضيات أهدافا تصبو إليها بعض الأمم في خضم حمى الإصلاحات التي تجتاح العالم تحت تأثير الأزمة العارمة و ازدياد تحكم الغرب الليبرالي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في تشكيل و توجيه مصير العالم وإدارة الشؤون الأممية.



    لعل من المفيد استعادة بعض الأحداث التي أثرت إلى حد ما في تطور مفهوم حرية الصحافة و استعراض المبادئ العامة السائدة. لان فهم الصحافة يتطلب فهم النظام و الرقابة الاجتماعية حيث تحدد العلاقات بين الأفراد و المؤسسات. كما أن وسائل الاتصال الجماهيرية تأخذ "شكل و" لون" البنيات الاجتماعية و السياسية التي تعمل في ظلها و أكثر من ذك، فان دراسة الأنظمة الاجتماعية في علاقاتها مع الصحافة تتطلب النظر في الاعتقادات و القيم القاعدية السائدة في مجتمع ما. فالاختلافات الموجودة بين أنظمة الاتصال الجماهيري في عالم اليوم هي اختلافات فلسفية وعقائدية في أساسياتها.

    و قد بدأ الاهتمام تاريخيا بحرية الصحافة مع اكتشاف طباعة الحروف التي أحدثت ثورة فعلية في أنماط نشر الأنباء والأفكار والآراء... إلى درجة أن المطبوعة التي نسميها اليوم " الصحافة "أصبحت تعتبر مصدرا أساسيا للإعلام و نشر المعرفة.

    ومع تلك الأهمية التي اكتسبتها الحروف المطبوعة، فإن الصحافة بدأت تعمل تحت الرقابة الصارمة للملوك، وقد مر قرنان تقريبا قبل أن تشرع الصحافة المطبوعة في الانتشار على نطاق واسع، و يرجع ذلك التأخر إلى تلك الظروف الفلسفية و السياسية السائدة عند ظهور الصحافة إذ نشأت في ظل سيادة المبادئ السلطوية.

    ففي ذلك المجتمع، لم تكن الحقيقة شيئا مختلفا عما يعتقده أقلية من الأفراد " الحكماء " أنهم يعلمونه وما يعتقدون أن الشعب في حاجة إلى معرفته ومؤازرتهم فيه. وقد كانت علاقة الصحافة بالسلطة مستمدة من الفرضيات الفلسفية القاعدية للفكر السلطوي الذي يعتبر الفرد في خدمة الجماعة، و بالتالي يجب أن يخضع إلى المجتمع متمثلا في مؤسساته و في مقدمتها الدولة التي يفترض فيها أنها تعمل على إقامة النظام و استتباب الأمن و السلم الاجتماعيين في صالح الجميع. فكانت الصحافة إذن حرة مع الدولة. و هذا النوع من التفكير ساد مجموع النظريات السلطوية للحكم من تفكير أفلاطون إلى ممارسة هتلر المتأثرة بفلسفة هيجل ونيتشا.

    غير أن القرن العشرين، وخاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهد تحولا نوعيا في ما يسمى " الأمم المتحضرة"[7] الذي اعتنق المبادئ الليبرالية كنظام اجتماعي وسياسي، و قد أصبحت اليوم معظم دول العالم تقيم "نظرياً" تنظيمها السياسي و الاجتماعي على تلك المبادئ ، و تؤكد النظرية الليبرالية على أهمية الفرد و قدرته على التفكير و على قدسية حقوقه وحرياته الطبيعية ، ومن بينها حرية المعتقد وحرية التفكير ثم حرية التعبير التي تعتبر حرية الصحافة أعلى أشكال تطبيقاتها. غير أن هذه الحرية لم توجد دائما في الواقع، وأن التفكير السلطوي لازالت آثاره قائمة في معظم الأنظمة السياسية في بقع كثيرة من العالم ، فماهو واقع حرية الصحافة في المجتمعات التي نشا فيها؟



    إن حرية الصحافة كفرضية نظرية لها شكل قاعدي يتمثل في أن كل واحد حر في نشر ما يريد ، و هذا الحق هو امتداد لحقوق أخرى، إذ إن حرية الصحافة حسب النظرية الليبرالية هي حق ملكية، و إن المالكين أو الأفراد الذين فوضوهم السلطة لهم الحق في تسيير منشوراتهم كما يشاءون لا يقيدهم في ذلك إلا القانون ومن أجل الصالح العام.

    ويتفق فقهاء الإعلام على وجود عناصر تتكون منها نظرية الصحافة الحرة، لازالت سائدة في الفكر الإعلامي الغربي مع بعض التغيرات التي طرأت عليها بتأثير من نظرية الخدمة العمومية ( في الإذاعة و التلفزة ) و نظرية المسؤولية الاجتماعية لوسائل الاتصال الجماهيرية كما حددها الرواد الأوائل للفقه الإعلامي ضمن أشهر مقاربات الاتصال الجماهيري[8].

    و أهم مكونات نظرية الصحافة الحرة مايلي:

    - إن النشر يجب أن يكون حراً من أي رقابة مسبقة

    - إن النشر والتوزيع ينبغي أن يكونا مفتوحين لشخص أو مجموعة من الأشخاص بدون رخصة .

    - الانتقادات الموجهة لأية حكومة أو حزب رسمي لا ينبغي أن يعاقب عليها حتى بعد حدوثها

    - لا يجب أن يكون هناك التزام بنشر أي شيء

    - نشر " الخطأ " محمي مثله مثل نشر" الصواب " في ميادين الرأي و الاعتقاد

    - لا يجب أن توجد قيود على تصدير و استيراد أو إرسال أو استقبال الرسائل الإعلامية عبر الحدود الوطنية.

    غير أن هذه المبادئ أصبحت ، كما يقول ( جيمس كاران )[9] من جامعة لندن ، غير مقنعة مع اتساع الهوة بين النظري و الواقع، ويؤكد تقرير رسمي لإحدى اللجان الملكية البريطانية للصحافة ( 1962 ) على أن " مبادئ الصحافة الحرة حسب الإيديولوجية الليبرالية ، أصبحت غير ملائمة مع ظروف الصحافة العصرية و علاقاتها مع السلطات العمومية. فمن جهة تميل الحكومات في كل مكان إلى فرض رقابتها على الصحافة و الإذاعة و التلفزة، كشرط أساسي لفرض سيطرتها على المؤسسات الأخرى مثل البرلمان و الأحزاب السياسية، و أكثر من ذلك على الرأي العام ، ومن جهة أخرى أصبح حق الفرد في نشر ما يريد متناقضاً مع المصلحة العامة ، وان وسائل الإعلام الجماهيرية أصبحت شبه محتكرة من قبل أقلية تمتلك السلطة الاقتصادية ، و بعبارة أخرى، فان حق كل فرد أصبح مقتصراً على حق الناشر أو المالك أكثر ما هو حق عام للأفراد[10].

    و قد عبر عن هذا الواقع تقرير رسمي لاحق للجنة الملكية للصحافة ( 1977) جاء فيه أن " العائق الرئيسي لمبدأ الصحافة الحرة هو تمركز الملكية بيد أقلية تراقب الصحافة ".

    و بالفعل فان شخصين " مردوك " و " ماكسويل " يراقبان ثلثي مجموع الصحف اليومية و الأسبوعية التي تباع في المملكة المتحدة ، و قام مردوك بفتح قنوات تلفزيونية ترسل عن طريق الأقمار الصناعية.

    إن هذه الوضعية التي لا تختلف كثيرا عن الأوضاع السائدة في كل مجتمع ليبرالي أثارت نقاشا رسميا و فكريا حول وسائل الاتصال الجماهيرية و ممارسة الحقوق الإنسانية عبرها، حيث تؤكد التقارير و التحاليل المعدة في هذا السياق أن " رقابة المالكين على الصحافة فقدت مبرراتها الشرعية بالنظر إلى التبريرات التقليدية التي تجاوزتها الأحداث".

    وعلى مستوى النقاش الفكري ، ظهرت نزعة المسؤولية الاجتماعية لوسائل الاتصال الجماهيرية منذ الأربعينيات أدخلت تعديلات على مبادئ الصحافة الحرة، فأصبحت الحرية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمسؤولية الاجتماعية ، كما أن الدعوة إلى وضع نظام إعلامي جديد كانت تندرج ضمن النقاش الفكري حول حرية الصحافة و مسؤولياتها الأخلاقية الدولية.

    يرى محمد الصمودي، وزير تونسي سابق، عضو لجنة ماك برايد الدولية لدراسة مشاكل الاتصال الدولي، ضرورة مراجعة الوثائق الدولية لتصحيح مفهوم حرية الإعلام و ممارستها في ظل معطيات العصر، حيث إن المبادئ التقليدية لنظرية الصحافة الحرة أصبحت غير قادرة على استيعاب موجة الأفكار الجديدة في المجتمعات الليبرالية نفسها و خاصة انعكاسات تكنولوجيات الاتصال الحديثة[11].



    إن أول تطبيق لنظرية الصحافة الحرة في ظل سيادة المبادئ الليبرالية هو أن الصحافة يجب أن تكون حرة من رقابة الدولة وملكيتها، فمهمة الصحافة الأولى أنها تعمل كحارس أمين ضد التجاوزات، سياسية كانت أم اقتصادية، فهي " السلطة الرابعة" مهمتها الحرص على إبقاء التوازن بين السلطات الأخرى في الدولة، وتستمد الصحافة شرعيتها من كونها ممثلة للرأي العام، إذ هي وسيلة لمراقبة نشاطات الحكومة وأعمالها. فينبغي أن تكون مستقلة عن الحكومة.

    إن حرية الصحافة طبقا لمبدأ "السوق الحرة مكان للأفكار الحرة " تجد دلالاتها الكاملة في تطبيقات حق الفرد في نشر ما يشاء وفي مبادئ التعددية في الأفكار والمحتوى. يقول (كاران) في هذا الصدد انه: " طالما أن حرية النشر غير مقيدة من طرف الدولة، فإن كل رأي هام يجد صدى له في الصحافة".ويضيف مفسراً رأي الناشرين والمالكين أن " اليد الخفية للسوق الحرة تضمن مطابقة مصالحهم(الناشرين) مع الصالح العام"[12].

    إن حرية الصحافة في المجتمعات الليبرالية ينظر إليها كجزء هام من حرية الرأي التي هي بدورها جزء رئيسي من النظام الديمقراطي، وقد قامت بعض الدول الليبرالية و المنظمات الدولية و الجهوية بوضع قواعد شرعية وأخلاقية مستمدة أساسا من مبادئ الثورة الفرنسية (1789) والثورة الأمريكية (1776) حيث تكتسي الوثائق الأممية (الصادرة عن الأمم المتحدة و منظماتها المختصة) المتعلقة بحرية الإعلام و الصحافة صبغة ليبرالية، ومن تلك الوثائق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948) و المعاهدتان الدوليتان حول الحقوق المدنية و السياسية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية (1966).

    وعلى مستوى إقليمي هناك المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان (1951) التي أكدت في مادتها العاشرة المبدأ الذي نصت عليه المادة(19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " كل واحد له الحق في حرية التعبير، وهذه الحرية تتضمن حرية تكوين الرأي و استلام ونشر الإعلام والأفكار من دون تدخل للسلطات العمومية و بصرف النظر عن الحدود ". و تبدو الصبغة السياسية جليا من مضمون هاتين المادتين، حيث كانت الدول الليبرالية تسعى من وراء ذلك إلى ضمان "الحقوق المدنية" التي كانت تعتقد أنها "مهددة" من قبل الأنظمة الشيوعية في شرق أوربا. وعلى الرغم من أن المعاهدة الأوربية ليست قانونا ملزما، فهي تشكل قاعدة تقررت بمقتضاها عدة قضايا وأنشئت تبعا لها عدة قوانين.

    ففي بريطانيا مثلا، حيث لا يوجد قانون خاص بالصحافة، فان القواعد العرفية وقانون "حرية الكلام" وقانون "حماية البيانات" وقانون "حرية المعلومة"[13] وكذلك التقاليد الحضرية و الأخلاقيات المهنية قد أثبتت فعاليتها في حماية حرية الصحافة و الإعلام.

    ويختلف الأمر في الولايات المتحدة، إذ على الرغم من انتمائها إلى المدرسة الأنجلوسكسونية، فقد أدرجت حرية الصحافة ضمن التعديل الأول للدستور[14] وجعلتها مادة جامدة، حيث جاء فيها أن "الكونغرس لا يجب أن يسن قانونا يمنع أو يحد من..حرية التعبير أو حرية الصحافة " .

    فإلى جانب هذا الضمان الدستوري لحرية الصحافة وبالتالي حرية الإعلام، فان الولايات المتحدة سنت قانونا خاصا بحرية الإعلام (1974) وكذلك فعلت كندا (1974) و استراليا(1978) ونيوزلندا (1983)، وكانت السويد قد سبقت إلى ذلك من خلال سلسلة من القوانين(1776، 1949، 1991). فبمقتضى هذه القوانين، فان أي مواطن من أفراد المجتمع له الحق في الوصول إلى مصادر الإعلام الرسمي، إذ يمكن أن يستفسر الحكومة عن أسباب وأهداف و ملابسات أي قرار رسمي، ويصل الأمر في نيوزيلندا إلى اعتبار الوصول إلى مصادر هذه المعلومة من حقوق الإنسان وليس المواطن النيوزيلندي فقط.

    وتشكل هذه القوانين درجة عالية من الضمانات الشرعية لحرية الإعلام والحريات المجاورة لها من مثل حرية الصحافة، طالما أن وسائل الاتصال الجماهيرية أصبحت المصدر الرئيسي للإعلام، وكانت بداية لتغيير طبيعة توجهات التشريعات الإعلامية الحديثة على المستويات الوطنية.

    وعلى الرغم من هذه الضمانات القانونية والدستورية، فان القول بان حرية الصحافة ممارسة كلية لا يتطابق مع الواقع. يرى "روتنبرغ" أن "في بعض الأحيان يعلن القانون رسميا أن الصحافة مفتوحة لكل واحد يرغب في التعبير عن رأيه بحرية، غير أن هذه الحرية محفوفة بجملة من القيود و الموانع تجعلها مجرد فكرة فلسفية نظرية"[15]

    إن القيود التي ترد على حرية الصحافة ذات طبيعة إدارية أو سياسية أو اقتصادية، وقد تكون شرعية أو غير شرعية، ومهما كانت طبيعتها فإنها تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تجسيد مبدأ حرية الإعلام.

    وتحديد حرية الصحافة شرعيا يهدف إلى حماية الصالح العام أو الحياة الخاصة للمواطنين، وقد طرح التساؤل حول مفهوم الصالح العام حيث لا يوجد إجماع حوله، إذ يختلف مدلوله باختلاف الزمان والمكان. ومهما يكن، فان القيود الواردة على الصحافة تحت مبررات الصالح العام تدور حول الأمن الداخلي و الخارجي للدولة و الأسرار العسكرية و الاقتصادية الحيوية للبلاد، والصالح العام.

    بخصوص حماية الحياة الخاصة للمواطنين، فان بعض القوانين وبخاصة القانون الفرنسي و القوانين المستمدة منه قد وسعته ليشمل ممثلي السلطات العمومية والهيئات الدبلوماسية ( المادة26 من قانون1881 و المادة36 من قانون1961 الفرنسيين ) وأصبح الاعتقاد سائداً أن تطبيق هذا المبدأ الذي يتضمن حقا من حقوق الإنسان " الحق في السرية" يعتني في القوانين الصحفية بالسلطات العمومية أكثر من اعتنائه بالأفراد العاديين، ويتضح هذا أكثر عندما يتعلق الأمر بحق الصحافة في التعليق عن نشاطات و أعمال الحكومات، حيث يسند غالبا قمع هذه الانتقادات إلى القوانين الجنائية بدلا من مدونات الصحافة التي تصدر عادة في المجتمعات الليبرالية، عن المنظمات المهنية.

    ولتقليص تأثير السلطات العمومية على حرية الصحافة باسم الصالح العام أو حماية الحياة الخاصة أو بعض الفئات، قامت بعض البلدان كما سبقت الإشارة إلى سن قوانين خاصة بحرية الإعلام كحق من حقوق المواطن، للحد من المعوقات الشرعية والتعسفية، وبالنتيجة فإن حق الشعب في الاطلاع على نشاطات حكومته وحق الوصول إلى مصادر الإعلام الرسمي كمظهر من مظاهر ديمقراطية نظام الحكم، يكتسي طابعاً مؤكداً وله ضمانات في تلك البلدان أكثر من غيرها.

    تقنين حرية الإعلام

    يتوخى هذا القسم من مقاربة التوجهات الحديثة في التشريعات الإعلامية، استعراض وترتيب الآليات المستعملة في وضع الأطر القانونية والتنظيمية لممارسة حرية الإعلام كعنصر جوهري في الأنظمة الديمقراطية التي تقوم على أساس مفهوم سيادة الشعب الذي يحدد إرادته العامة رأي عام مستنير. إذ أن حق الرأي العام في أن يعلم هو الذي يمثل جوهر حرية وسائل الإعلام، ومنه جاءت المقولة الأدبية الشهيرة " السلطة الرابعة " وليس الصحفي المحترف أو الكاتب أو المنتج سوى قيم على هذه الحرية، والحرمان منها ينقص من سائر الحريات المرتبطة بها.

    ولما كان الإشكال الجوهري في الثقافة الليبرالية، هو أن سن القوانين الملزمة يتنافى مع مبادئ حرية الإعلام، كشكل من أشكال رقابة السلطات العمومية، فان التشريعات الحديثة تتجه إلى تجاوز هذا الإشكال بتغيير طبيعة القواعد الملزمة بجعلها تدعم هذه الحرية، من خلال رفع القيود القانونية و الإدارية والمادية وغيرها، حيث أن مفهوم قانون الإعلام أو قانون الاتصال بصفة أشمل، يشتمل على مجموعة من القواعد الدستورية والقانونية الخاصة التي تحمي حرية الإعلام من تعسف السلطات و التجاوزات وجميع أشكال المعوقات التي يمكن أن تحول دون التداول الحر للمعلومات عبر القنوات المختلفة بما فيها وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية ووسائط الاتصال الجديدة [16].

    هذا النوع من القواعد يخاطب أساساً السلطات التقليدية، ولا يهم الصحافة أو وسائل الإعلام ، كما هو شائع في العديد من المجتمعات الانتقالية، ذلك أن قانون الإعلام يعنى بحق شامل من حقوق الإنسان بما فيها الحقوق المرتبطة بالصحافة و وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى دون أن يقتصر عليها.

    إن هذا الطرح يستدعي التمييز بين مجموعات واسعة من القواعد القانونية والتنظيمية والضوابط والمعايير المهنية التي تندرج إما ضمن قوانين الإعلام التي تتجه لوضع إطار شرعي لممارسة الحق في الإعلام كحق إنساني، وإما ضمن قوانين الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى التي تهدف هي الأخرى إلى تدعيم الحق في الإعلام، أو ضمن المدونات الأخلاقية ومواثيق الشرف المهنية التي تصب في نفس الأهداف ن ولو بكيفية غير ملزمة في أغلب الأحيان. غير انه ينبغي الإشارة إلى الصعوبات المرتبة عن التمييز بين هذه الأنواع من القواعد التي تنظم مجالا حيويا تتداخل فيه جل نشاطات الإنسان والمؤسسات الاجتماعية والسياسية الحديثة، ومما يزيد في تعقيد عملية التمييز هذه، التطورات التكنولوجية الحديثة التي تعمل على تغيير العلاقة التقليدية للفرد بالسلطة وخاصة علاقة السلطة بالفرد.

    ومع ذلك نحاول فيما يلي التطرق إلى التمايز الذي يتجلى من خلال الأسس القانونية ومجالات تطبيق هذه القواعد والأهداف المتوخاة من وراء وضعها وإضفاء الصفة الإلزامية عليها.



    بدأت حركة التشريع المتعلقة بحرية الإعلام، كحق من حقوق الإنسان تتوسع على المستويات الدولية و الوطنية منذ سبعينات هذا القرن في بعض المجتمعات الديمقراطية، على أن سندها المبدئي يرجع إلى نهاية الأربعينات، عندما صادقت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948. هذا الإعلان الذي لا يعتبر من وجهة نظر القانون الدولي ملزما في حد ذاته، وضع الأسس العامة لتشريع إعلامي خاص بحرية الإعلام التي تنص عليها المادة 19 منه، والتي جاء فيها أن " لكل شخص الحق في حرية الرأي و التعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الأفكار وتلقيها ونشرها بدون تدخل وبأي وسيلة كانت دون التقيد بالحدود الجغرافية".

    انطلاقا من هذه المبادئ العامة ظهر خلال النصف الثاني من القرن الماضي ما يزيد عن 44 وثيقة مابين معاهدة (12) وإعلانات (14) ولوائح (Cool، تهتم بصفة صريحة أو ضمنية بحرية الإعلام، وبخاصة الجانب المتعلق بالتدفق الحر للمعلومات[17].

    غير أن السند القانوني الصريح للتشريع الإعلامي، تتضمنه الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق السياسية و المدنية والاقتصادية و الاجتماعية والثقافية التي صادقت عليها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة سنة 1966، والتي تتبناها حاليا معظم الدول، منها الجزائر التي صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق بها في25 أفريل 1989، أي مباشرة بعد اعتماد دستور23 فيفري 1989 الذي اعتنق المبادئ الليبرالية السياسية والاقتصادية.

    وعلى الرغم من التأخر الحاصل في مصادقة العديد من الدول على هذه المعاهدة وإغفال الكثير من مبادئها في الممارسة العملية أو تشويهها أو تكييفها تكييفا خاصا، فقد أصبحت هذه المعاهدة و غيرها من الوثائق القانونية ذات الطابع الدولي أو القاري أو الجهوي، جزءاً من القوانين الوطنية الملزمة للدول الأطراف فيها، والتي (الدول) يتعين عليها احترام مبادئها والعمل على تطبيقها وفقا لأحكام القانون الدولي، إذ لا يجوز من وجهة نظر القانون الدولي أن تتضرع الدول بأحكام قوانينها الداخلية لتتنصل من التزاماتها تجاه المعاهدة التي انضمت إليها بمحض إرادتها، وعليها، في حالة وجود تناقض، أن تعمل على تكييف أحكام قوانينها مع أحكام المعاهدة.

    هذه الاتفاقية التي أعطت صبغة قانونية ملزمة للدول الأطراف فيها بالنسبة لجميع المبادئ التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشيء من التفاصيل. لا تشكل فقط السند القانوني للتشريع الإعلامي الدولي، ولكنها أيضا السند القانوني للتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان عامة، والحق في الإعلام الذي يهمنا بصفة خاصة في هذا المقام. فهي (الاتفاقية) تندرج ضمن مصادر القانون الدولي من جهة، وتصبح بعد المصادقة عليها جزءاً من القانون الداخلي للدولة المتبنية لها، وأصبحت بالتالي غير مجدية الاعتراضات الفلسفية والسياسية على مبادئها التي تشكل تطوراً تاريخياً في مجال التشريع الإعلامي على الصعيدين الدولي و الوطني[18].

    ومع أن بعض الأصوات ارتفعت في السنوات الأخيرة تدعو إلى إعادة صياغة بعض المفاهيم الواردة في هذه الوثائق خاصة مفهوم الحق في الإعلام، لتعويضه بمفهوم أكثر شمولية هو الحق في الاتصال، فان السواد الأعظم من الدول لم تصل بعد إلى تقنين حرية الإعلام، إذ أدرجته بصفة مشوهة في قوانين الصحافة ووسائل الإعلام، كما هو الشأن في القانون الجزائري ليتقلص هذا المفهوم في مجرد المعلومات والأفكار والآراء التي تقدمها وسائل الإعلام الجماهيرية[19].

    التكييف العفوي أو المقصود لأحكام المعاهدة بخصوص حرية الإعلام مع الذهنيات والمواقف السائدة في العديد من الدول، يستند جزئيا إلى الاستثناءات الواردة في المعاهدة ذاتها، حيث تنص على حق الدولة (السلطات العمومية) في التدخل لتنظيم ممارسة هذه الحقوق عن طريق نصوص قانونية تكون ضرورية من أجل حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق واحترام حقوق وسمعة الآخرين، كما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 19 من المعاهدة وبالإضافة إلى حق التدخل المشروط الذي منحته هذه الفقرة للدولة، جاءت المادة 3 من الاتفاقية لتجيز الدولة أن " تخضع هذه الحقوق للقيود المقررة في القانون فقط إلى المدى الذي يتماشى مع طبيعة هذه الحقوق فقط، ولغايات تعزيز الرخاء العام في المجتمع فقط".

    ومع ذلك أقرت المادة 5 من نفس الاتفاقية بان: " ليس في الاتفاقية ما يمكن تفسيره بأنه يجيز لأي دولة...القيام بأي عمل يستهدف القضاء على أي من الحقوق والحريات المقررة في هذه الاتفاقية أو تقييدها لدرجة اكبر مما هو منصوص عليها فيها "[20].

    إلى جانب هذه التفسيرات التي تبدو في الغالب مقصودة لاعتبارات غير قانونية، تتجاهل معظم الدول الالتزامات التي تفرضها هذه المعاهدة عليها من أجل توفير الإمكانيات المادية والتقنية و التعليمية لتمكين المواطن من ممارسة حقه في الإعلام الموضوعي و الكامل بشأن جميع شؤون حياته كإنسان وخاصة كمواطن يهمه ما تتخذه السلطات باسمه ومن أجله.

    هناك قلة قليلة فقط من الدول، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، تتوفر على قوانين خاصة بحرية الإعلام تتوجه إلى السلطات العمومية بصفة خاصة تلزمها بتوفير الإعلام ومنعها من اللجوء إلى فرض القيود على التدفق الحر للمعلومات إلا في حدود ما تنص عليه المبادئ العامة التي تتضمنها عاد ة جميع دساتير عالم اليوم التي تتبنى مبادئ الديمقراطية الليبرالية. عموما تطمح الاتجاهات الحديثة في تقنين حرية الإعلام إلى توفير ضمانات غالبا ما تكون مبهمة في الدساتير والمواثيق التي تنظم العلاقة بين السلطة و المواطن.

    وتذهب بلدان ديمقراطية ليبرالية مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، إلى وضع قوانين خاصة بسرية الحياة الشخصية وخصوصية الحياة الفردية و الجماعية ويتعلق الأمر بإلزام السلطات بحماية الحق في السرية و الخصوصية خاصة ضد القذف و التشهير عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية و إفشاء المعلومات التي تتمكن من الوصول إليها الشرطة و الأمن. وهناك محاولات أيضا لوضع قوانين تمنح الحق للمواطن في الاطلاع على المعلومات المخزنة عنه وخاصة الحق في تصحيح الخاطئة منها.

    على أن انتشار بنوك المعلومات على نطاق " جماهيري" واسع عبر الشبكة الدولية وتداول هذه المعلومات عبر المواقع الإليكترونية والإيمايلات والشبكات الاجتماعية وانتشار الاختراقات الاليكترونية والجرائم الرقمية...، بدأ يطرح إشكاليات جديدة في مجالات الحقوق في الإعلام و في السرية و الخصوصية وفي الاطلاع على المعلومات و تصحيحها.



    يقصد بقوانين الصحافة أو قوانين وسائل الإعلام الجماهيرية، مجموعة القواعد التي تحدد الأحكام العامة للنشر و الطبع والبث الإذاعي و التلفزيوني وكل الوسائل الجماهيرية التي تنتج وتوزع المعلومات و الآراء عبر القنوات التقليدية والإلكترونية، المعروفة و/أو المحتملة. وهذه القواعد التي قد تكون في شكل قانون واحد، كقوانين النشر أو المطبوعات أو الصحافة ، أو تتوزع على تقنيات متنوعة مثل قوانين المؤسسات الإعلامية أو القوانين المتعلقة بالتنظيم المهني (مهنة الصحافة و الإعلام) كما يمكن أن يدخل في هذا الفرع من التشريعات الإعلامية مجموعة القواعد التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة في النشاط الإعلامي و مؤسساته و أشخاصه، مثل القوانين الجنائية والمدنية و الإدارية و التجارية وقوانين العمل و الملكية الأدبية أو الفكرية أو الصناعية (حق التأليف والحقوق المجاورة) و الإشهار و اللوائح و المذكرات التفسيرية المكملة للتشريع الإعلامي.

    وإذا كان تقنين حرية الإعلام كحق من حقوق الإنسان، لا يزال عموما في مرحلة تمهيدية في شكل مبادئ عامة موزعة ضمن المواثيق الدولية و الدساتير، باستثناء الدول التي وضعت قوانين خاصة بحرية الإعلام، فان التقنيات المتعلقة بوسائل الإعلام الجماهيرية، قد ظهرت و تطورت جنبا إلى جنب مع الصحافة ثم مع وسائل الإعلام الالكترونية، حتى أن القواعد التي تنظم الحياة السياسية و المدنية و التجارية و الصناعية و الإدارية والثقافية والاجتماعية في المجتمعات التقليدية والحديثة، تتسم بمرونة تجعلها تتسع للتطورات السريعة التي تشهدها تكنولوجيات الإعلام والاتصال. وقد أخذت طبيعة هذه القواعد شكل و لون البيئة الفلسفية و الفكرية و السياسية، التي تميز متخلف مراحل تاريخ الصحافة في علاقاتها مع السلطة ( روحية أو زمنية، ديمقراطية أو سلطوية أو تسلطية، حسب المراحل التاريخية والسياسية للمجتمعات)[21].

    غير أن طرح المبادئ الليبرالية، كاختيار وحيد منذ نهاية هذا القرن الماضي في سياق " العولمة " الجارية، بدأ، ظاهرياً، يوحد الخطابات السياسية في تعاملها مع الديمقراطية وحقوق الإنسان الفردية و الجماعية، إذ توحي " عولمة " المبادئ الليبرالية والحتمية التكنولوجية بقرب تغيرات عميقة في طبيعة القواعد المتعلقة بالصحافة ووسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى، حيث أن حقوق النشر والطبع و البث و التوزيع ستتدعم بالضرورة كحقوق فردية وجماعية بفعل الأثر البالغ لتكنولوجيات الاتصال الحديثة التي تعمل على" جمهرة " أنواع جديدة لا متناهية من وسائل الاتصال (بنوك المعلومات و المواقع الإلكترونية الشبكات الاجتماعية، الصحافة الإلكترونية، صحافة المواطنة، والمفكرات الإلكترونية الشخصية، أو ما يسمى بالمدونات...)، وتزيد من صعوبات تدخل السلطات[22] للحد من حرية تدفق المعلومات وحرية الوصول إليها مهما كانت طبيعتها حتى المعلومات المحمية منها، عن طريق فرض قيود مادية أو إدارية أو قانونية أو على الأقل بجعل هذه القيود عديمة الفعالية سياسياً و تقنياً. وبالنتيجة بات من الضروري في ظل المعطيات الجديدة التركيز على الفرد لتقوية عوامل الحصانة الذاتية لديه و لدى مجتمعه و أمته.

    ومهما يكن الأمر، فان الوضع القائم حاليا في مجال التقنينات المتعلقة بوسائل الإعلام الجماهيرية، يتميز بتراكمات إرث ثلاثة قرون من الصراع بين الصحافة والسلطة، رغم أن كل القوانين تعلن صراحة و ضمنياً تبنيها لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و هي تستند بالضرورة إلى المبادئ العامة المعلن عنها في الدساتير.

    إنه لمن الصعب معرفة الموقف الحقيقي، في العديد من الدول من الحقوق المرتبطة بنشاطات وسائل الإعلام الجماهيرية، ومن خلال الرجوع إلى بعض القواعد التي تعلن صراح ضمان هذه الحقوق في "حدود القانون" تماشياً مع الاستثناء الذي أوردته الفقرة3 من المادة19 للاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية و السياسية والاقتصادية و الاجتماعية المذكورة. ذلك أن العديد من التشريعات الإعلامية في الدول السائرة في طريق " الدمقرطة " جعلت هذا الاستثناء قاعدة عامة لتقييد ممارسة هذه الحقوق.

    هذه الممارسات تسود في المجتمعات الهامشية التي تعيش تناقضات جلية بين مضامين خطابات مثالية وحقائق واقعية مزرية، ففي جميع الدول العربية تقريبا، قوانين للمطبوعات من صحف و نشريات و كتب و أفلام و تسجيلات صوتية و سمعية وبصرية..تخضع بكيفية مباشر و/ أو غير مباشرة، ممارسة حق النشر (للمعلومات أو الرأي) لنظام الرقابة المسبقة أو ما يطلق عليه نظام المنع الوقائي، والحال أن الدول الديمقراطية تكتفي فقط بالإخطار بإصدار نشرية و هو حق لكل شخص طبيعي%8

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 1:28 pm