[b]
يعتبر السيناريو هو الهيكل والإطار العام للفيلم , فقصة الفيلم وموضوعه يتحددان من خلاله , وكذلك الحبكة والشخصيات. وبذلك يكون السيناريو هو رسم باللغة والبناء العام لما سينفذ بالصورة والحركة. فالسيناريو يقدم للمخرج وغيره من الفنانين صانعى الفيلم، اللغة والأساس لتنظيم العمل السينمائي واتساقه.
وكاتب السيناريو هو الذي يعمل علي النص، وأحياناً يكون هو نفسه مؤلفه. فعمل كاتب السيناريو هو وضع الكلمات علي الورق ورسم الشخصية وتطورها بوضوح وكذلك تحديد البناء القصصي والتيمات. وقد يطلب المنتج من كاتب السيناريو عمل مسودة أو ما يسمي بالنص الاستكشافي speculative script لعرضها علي المنتجين .
** الدراما **
مقدمة
تعد الخمسينات من القرن العشرين الحقبة الذهبية للتليفزيون , كانت زمن التجارب المستمرة المتتابعة , وكانت هذه التجارب تجارب حية . كان التليفزيون حينذاك شيئا جديدا دخل على ساحة الأتصال , وكان يسيطر عليها الراديو والصحف والسينما . وكان الراديو يتمتع بميزة الإنتشار وسرعة تغطية الأحداث , وكانت الصحف تسيطر على ميدان التحليل الأخبارى والرأى السياسى إلى جانب خدماتها الأعلانية , وكانت السينما وسيلة الترفيه الأولى وزاد الإقبال عليها مع دخول الصوت ونجحت فى معالجة الروايات والقصص والتأكيد على العنصر الدرامى , وكان يطلق عليها أم الفنون لإحتوائها على كل شئ . ودخل التليفزيون ساحة الصراع على جمهور الأذاعة والصحافة والسينما فسحب جمهورا كبيرا منهم . فلم يكن مجرد وسيلة إتصال تضاف إلى سابقاتها من الوسائل , بل أحدث وبكل المقاييس , ثورة أجتماعية حضارية تماثل الثورة التى أحدثتها المطبعة فى مسيرة الإنسانية .
طبيعة فن السينما والتليفزيون
طبيعة فن السينما :
نشأت فنون الرقص , والغناء , والدراما , والأدب , والموسيقى , والفن التشكيلي نشأة خاصة , فقد كانت نشأتها بين النخبة الممتازة من الناس . فلم يمارسها ولم يتمتع بها إلا الأرستقراطيون . أما السينما فقد نبعت من صالات التسلية البدائية فكانت نوعاَ من أنواع التسلية واللهو . ولعل نشأتها المتواضعة جعلت الخاصة تتجاهلها فى أول أمرها , ولكن سرعان ما استحال استمرار هذا التجاهل , إذ أن إقبال المتفرجين وضحكاتهم أخذت ترتفع , فأخذت السينما تكتسح ما يقف أمامها فى قوة الطوفان الجارف حتى صارت من أهم وسائل الإتصال السمعية والبصرية فى القرن العشرين . وللموضوع جذوره . . فقد وصف ليوناردو دافنشى فى مذكراته التى لم تنشر , والتى جاء ذكرها بالتفصيل فى كتاب " السحر الطبيعي " لمؤلفه جيوفانى باستاد بللا يورتا , والذى نُشر عام 1558 أصل الصورة السينمائية بقوله " إذا أنت جلست فى حجرة دامسة الظلام فى يوم مشمس , ولم يكن بالحجرة سوى ثقب بمقدار رأس الدبوس فى أحد جوانبها , استطعت أن ترى على الحائط المقابل للثقب , أو على سطح أخر فى الغرفة , ظلالاَ أو خيالات للعالم الخارجي : شجرة , أو رجلاَ , أو عربة عابرة .
وما أشبه جماعة من الناس فى غرفة مظلمة , يتطلعون فى دهشة وعجب إلى الخيالات المتحركة , بجماعة من المتفرجين فى قاعة مظلمة يشاهدون شاشة السينما , وهكذا كما نرى بدأت السينما بالصور فقط .وبقوة الصور لم تجد السينما الصامتة صعوبة فى إرضاء جماهير ضخمة .
وفى أول الأمر حاول السينمائيون أن يصوروا للمتفرجين المسرحيات برمتها , وكما هى , بل والكاميرا ثابتة على بعد محدد . وكان الممثلون يواجهون المتفرجين مواجهة تامة تماماَ كما يفعلون على خشبة المسرح . بل إن المشاهد كانت تبدأ بدخول الممثلين وتنتهي بخروجهم . كانوا يريدون الظفر بما فى المسرح من قوة ناتجة عن وجود الممثلين بلحمهم وشحمهم , فقد كان عرض العلاقات الإنسانية فى المسرحيات المصورة يثير فى نفس المتفرج الشعور بالتوتر ويغريه بالتعرف على نفسه , وهو المفتاح الذى يفتح مغاليق الإنفعال . فقد كانت مشكلة السينما الرئيسية هى عدم وجود متفرجين كما فى المسرحية . وبعد عدة سنوات تبينت السينما أنها تستطيع أن تفعل أكثر من تصوير المسرحية , بل أنها تستطيع أن تحول ضعفها إلى قوة . فعندما أدخل جريفث " اللقطة القريبة " , كانت دهشة المتفرجين كبيرة إلى حد دعاهم إلى الصياح " أين أرجل هذا الوجه ؟ .
ولكن السينما , مضت تخلق وتثبت تقاليدها الخاصة , والتى هى أشد ترابطاَ وثباتاَ من تقاليد المسرح , ثم كان تغير مكان الرؤية , فبعد أن يصور جزء من مشهد من زاوية معينة , يصور جزء أخر من زاوية أخرى وكان الخوف من ذلك أن يشعر المتفرج بالدوار - ولكن المتفرج لم يُبد أى تبرم على إعفائه من القيود البدنية المفروضة على الجسد , وقبل على الفور دور المتفرج المتحرك . . ينظر من جانب ثم ينتقل لينظر من الجانب الآخر , وينظر من بعيد ثم من قريب , مرة من داخل الغرفة إلى الخارج , ومرة أخرى من الخارج إلى داخل الغرفة , مرة من فوق كتف البطلة , ومرة أخرى من فوق كتف البطل .
وهكذا تحولت نقطة الضعف ( أى عدم وجود متفرجين ) , إلى نقطة قوة ( أى عنصر الحركة ) . كانت الحركة الذاخرة بالمعنى تأسر الإهتمام , بل إنها تخلق لدى المتفرج الشعور بالتوتر والإنفعال .ومع أن السينما كانت تتصف بالقوة منذ بدايتها , ولكنها عندما أصبحت ناطقة كبُرَ أتساع أهميتها كوسيلة تعبير . فالكلمات تستطيع أن تقوم بتوضيح الحركة ومعانيها , وبالجمع بين الصور الغنية بالتفاصيل والمعاني , وبين الكلمات التى تقول بطبيعتها شيئاَ واحداً فى وقت واحد , أكسب السينما قوة فريدة تعمل على إدماج المتفرج فى سيل دائم من التفكير والإنفعال وتجعله شريكاَ مشاركاَ إلى حد عظيم . وهكذا نراها وصلت باستغلال عدم وجود المتفرجين , إلى أن تتعلم كيف تنمى طاقتها المؤثرة فى العواطف . فكثيراً من المشاهد التى كان يراها المتفرج بارعة, انما كانت كذلك لأن المتفرج نفسه هو الذى يقوم بتمثيلها , وذلك لأن مجموعة اللقطات الغنية بالمعاني , استدرجته إلى نوع من الإنفعال تصبح فيها الأدوار متبادلة بينه وبين الممثل .
هكذا أصبح للسينما لغة لها أجروميتها ومفرداتها وحسناتها وبلاغتها ... حيث اللقطة هى الوحدة الأولية , ومن تراكيب هذه اللقطات تتكون المشاهد , وجمال اللقطة وانسيابها أو تصادمها مع اللقطة التالية ينتج معنى ما , يصر السينمائى أن يُشرك المتفرج معه فى استنتاج هذا المعنى فيصبح دوره إيجابياَ فى عملية التلقي , كما يملك السينمائى عناصر الموسيقى . . والمؤثرات الصوتية . . والإضاءة . . واللون . . والتمثيل . . والتكوين , وكلها عناصر تشكل مفردات اللغة التى يُكتب بها على الشاشة , وتشكل فى الوقت نفسه قنوات الإتصال بينه وبين المتفرج عبر السمع والبصر معا . وهكذا أصبحت السينما وسيلة سمعية بصرية أساسية من وسائل الإتصال الجماهيري , تناولت كل شريحة من شرائح المجتمع وعالجت كل موضوع ووصلت إلى كل جمهور. بل أنها أصبحت تستحق أن يُطلق عليها اسم " الفن السابع " .
طبيعة فن التليفزيون :
وصلت السينما إلى جمهورها الواسع فى بدايات القرن العشرين ولم تأخذ شكلها كفن ذو ملامح خاصة إلا فى العشرينات أما شاشة التليفزيون فقد ولدت فى العشرينات وانتشرت فى الأربعينات كسينما على الهواء مباشرة , ولم تصل إلى البيوت إلا فى الخمسينات. ومنذ البداية وكما اعتمدت السينما على تصوير العروض المسرحية , إعتمد التليفزيون على السينما , وورث كثيراً من تقاليدها , وعلاقتها بالجمهور , ثم علاقتها بالأفكار .
ولو بحثنا فى أساس كل من السينما والتليفزيون , لوجدنا أنها " الصورة " فشاشة السينما كالتلسكوب تفتش عن الأشياء البعيدة لتقربها , أما شاشة التليفزيون فهى كالميكروسكوب تفتش عن الأشياء الدقيقة وتحاول تكبيرها , ولذلك فهى تتيح للتلفزيوني ميزات لا يحصل عليها السينمائى , فالمتفرج يتعامل معها على انها صديق حميم تقربه من الأحداث الواقعية , وتفيض بالإنفعالات الصادقة والمشاعر النبيلة . ويقول رينيه كلير فى كتابه سينما الأمس وسينما اليوم ," فى الواقع أن التليفزيون يتمتع بميزتين : "الفورية" أى إمكانية بث حدث ما بثاً مباشراً , "والمودة" - أى إمكانية تقديم عرض , على ما يبدو , لمشاهد واحد ومن أجله وحده بينما يراه فى الحقيقة ملايين المشاهدين المتفرقين فى اللحظة ذاتها " . بل إنه يمثل ثورة أعظم فى ميدان الاتصال البشرى من السينما نفسها . ومنذ ظهور التليفزيون أُعيد تصميم غُرف الجلوس , وظهرت فى الأسواق كراسي خاصة له , وموائد صغيرة للأكل أثناء مشاهدته , وأطعمة مجمدة سريعة التجهيز. واستطاع التليفزيون أن يَشُد إليه اهتمام الناسُ بدرجةٍ هائلة عندما نقل إليهم سلسلة من العروض الحية الفورية التى حولت هذا الجهاز من لعبة غالية الثمن إلى ضرورة حقيقية . فقام بنقل المباريات الرياضية المهمة , والمسرحيات والأوبرات , وحفلات الموسيقى , والباليه , وهكذا أتاح للملايين فرصة الاستمتاع بما كان يقتصر على القلة المتميزة التى تستطيع أن تدفع ثمن تذكرة الدخول إلى الملعب , أو دار الأوبرا . ولم تقتصر مهمته على ذلك فقد قام بنقل مباشر للأحداث , التى لم يكن يحلم المتفرج بأن يراها إلا بعد حدوثها بوقت يسمح بتحميض الفيلم السينمائى وطبعه وعمل المونتاج له . ولكن وبشكل فوري نقل للمشاهد فى بيته حادث اغتيال قائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج , ثم غطى أهم حدث فى الستينات وهو نزول أول إنسان حي على سطح القمر , لقد نقل كل هذه الأحداث فور وقوعها إلى المشاهد فى غرفة الجلوس وغرفة النوم وفى المطبخ أو حيث يوجد جهاز التليفزيون الخاص به .
وهكذا أصبح التليفزيون نافذة واسعة على العالم كما وصفه موريس ويجين ناقد جريدة سنداى تايمس الذى قال : " التليفزيون . . بديل للرحلة والصحبة بينما نحن منكمشين فى مخابئنا نستخدمه كمنظار نتبين به الناس والعالم". وقال نيوتن مينو رئيس لجنة الإتصالات الفيدرالية " إذا لم تعرف ما يجرى على شاشة التليفزيون فأنت تفتقد العالم كله" . وببساطة أُعطى المتفرج الإحساس بأنه ينظر إلى جزء من الحياة جديد عليه وغريب وهام , وأنه يلتقي بالناس ويرى الأشياء التى لولا هذه الوسيلة لَحُرِم من رؤيتها . وقد قام عالم الإجتماع جارى ستاينر بكتابة تقرير عنوانه " كيف ينظر الناس إلى التليفزيون " عن عادات الناس فى استخدام التليفزيون ومشاعرهم تجاهه فكان رأى الأغلبية : التليفزيون مدهش , إنه ببساطة شيء مدهش . لماذا لأن التليفزيون جاء بالدنيا كلها . إنني ببساطة أُحبه . أُحب كل شيء فيه أُحب أن أرى الرئيس,وهو أمر لم يكن متيسراَ من قبل.وأُحب الروايات , وببساطة أُحب كل دقيقة , انه أكثر الأشياء إثارة فى عمري . وهكذا أصبحت الفورية فى التليفزيون بمثابة صنبور يستمد من خزان كبير عام , مواد البرامج المأخوذة من الحياة مباشرةً ويصبها فى حجرة المتفرج .
كان التليفزيون يعرف أن من يريد أن يتحدث بلغة من اللغات عليه أن يتعلم قواعد النحو الخاصة بها , وكان يعرف أن مفتاح الطريق إلى الجماهير الكبيرة , وإلى اكتساب جماهير جديدة , هو التعرف الانفعالي, وهذا معناه الإعتماد على الدراما أى التحدث إليهم بلغة مفهومة . ومع أن التليفزيون استفاد من السينما لغتها لتكون لغته هو أيضاً ,فاللقطة بأحجامها المختلفة , ووسائل الربط بين هذه اللقطات المختلفة واحدة أيضاً والصورة تنتقل عن طريق عدد من الكاميرات . والتى لكل منها إمكانيات واسعة جداً فى الحركة والقرب والبعد والإرتفاع والإنخفاض . وهناك الإضاءةُ التى لا تلعب فقط دوراً فى إبراز الصورة ولكنها تستطيع أيضاً تجسيد الحالة النفسية للشخصيات والمُعَاونة فى رسم الجو العام للقطة أو المشهد , بالإضافة إلى إمكانيات المونتاج والمؤثرات الصوتية . إلا أنه عرف أنها تشكل فقط أساساً جديداً للغة معالجة درامية خاصة به ,. تختلف تماماً عن لغة المعالجة الدرامية فى السينما , عنها فى المسرح حتى أن الناقد آلان بريان يقول : إن الدراما التليفزيونية يتيمة جاءت ثمرة طلاق أبويها المسرح والسينما , ويجب على التمثلية التليفزيونية ولها عينا أبويها وأُذنا أُمها وفمُها الخاص - أن تكون قادرة على تحقيق قوة فردية مثيرة .
ويلخص إريك بارنو هذا الإختلاف فى كتابه الإتصال بالجماهير بقوله : عندما بدأ السينمائيون يعرضون الأفلام على شاشة التليفزيون تبينوا أن عليهم , أن يزيدوا من اللقطات القريبة المكبرة وأن يقللوا من اللقطات البعيدة . . فالفيلم السينمائى يُعرض على شاشة كبيرة عريضة . . أما فى التليفزيون فالمتفرج يجلس قريباً من الجهاز . . كأنه يجلس إلى صديق . ولذلك كان على الفنان التليفزيوني التركيز والإقتراب بهدف الوصول إلى العمق لتحديد طريقة تلقي المتفرج وتذوقه وتوجيه انتباهه . وحتم ذلك على الدراما التليفزيونية أن تستمد مادتها بطريقة مباشرة من الحياة فهى فن إنساني يرتبط بمشاكل الحياة الإقتصادية, والإجتماعية, والسياسية,والدينية ,والأخلاقية . كان عليها أن تحذف التفاصيل التى لا أهمية لها فى تطور الأحداث وبلورة الشخصيات , وكان على حركة الكاميرات ,والممثل ,والتكوينات أن تكون نابعة من داخل الموضوع وموظفة لتحقيق غرض درامي محدد وإيقاع جيد , حتى تستطيع أن تتوغل بلا استئذان إلى عقل وقلب المشاهد . حتى أن روبرت فريزر المدير العام لهيئة التليفزيون البريطانية يقول : يتم التوصيل بمستويين - هما المستوى العقلي حيث تدور المعرفة والآراء فى المجتمع , والمستوى العاطفي حيث يتولد الشعور بالعطف على الآخرين . . والتليفزيون قوة رهيبة فى كلا المستويين .
وفى رأى أُسامة أنور عكاشة كاتب السيناريو المصرى أن النص الدرامي فى التليفزيون لا يختلف عن النص الدرامي فى المسرح ,أو فى السينما من أنهما يعتمدان قواعد درامية واحدة وهى القواعد الأرُسطية من قواعد الدراما الكلاسيكية . ولكن الإختلاف يأتي من طول العمل , أى أنه إذا قَصُر يُصبح سهرة فى التليفزيون تأخذ تقريباً حيز المسرحية , وإذا طال يأخذ شكل مسلسل من سبع حلقات, أو عشرة ,أو عشرين حلقة ,أو أكثر حسب ما يقتضي الموضوع وهو تكرار لشكل ألف ليلة وليلة , أى أن شهرزاد تحكى لشهريار كل ليلة وعند جزء معين تعمل قفلة الحلقة وتعلقه لليوم التالى , وهذا شيء الإرتباط به متغلغل فى المثيولوجي الخاص بنا وفى فولكلورُنا , أى الحدوتة التى ترويها ستى وستك للأطفال قبل النوم .
ومن هنا نرى أن الدراما التليفزيونية تأخذ عدة أشكال منها : المسلسل , والسلسلة , والتمثيلية التليفزيونية . والموضوع هو الذى يفرض الشكل الذى يُقدم به , حتى أن أُسامة أنور عكاشة يتساءل : كيف أَكتُب مسلسل " ليالي الحلمية " فى فيلم سينمائى وكيف أَكتُب فيلم " كتيبة إعدام " فى مسلسل تلفزيوني...
والمسلسل ,كل حلقاته مُتَصٍلة وكل شخصياته واحدة ويتم تطوير الصراع والشخصيات منذ الحلقة الأولى حتى نهاية الحلقة الأخيرة ,ومع ذلك فكل حلقة تُمثِل دراما صغيرة كاملة وتتوقف فى أكثر الأماكن إثارة للإهتمام , وينتظر المتفرج بفارغ الصبر الحلقة التالية ليعرف كيف تطورت الأحداث . وفى رأى أُسامة أنور عكاشة أن كل حلقة يجب أن يكون متحقق فيها القواعد الدرامية, صحيح أنك مش مطلوب أن تصل إلى الحل فى نهاية كل حلقة , إنما يبقي هناك تنمية للحدث من بداية الحلقة إلى أخرها , ويبقى هناك تصاعد فى المشهد باستمرار , وهو ما يحقق السيطرة على المتفرج , لأنه سيخاف أن يتحرك أو يبعُد عن التليفزيون حتى لا يفوته شيء مهم " .
أما السلسلة ,فتكون حلقاتها منفصلة أى أنها بمثابة تمثيلية مستقلة لها بداية ووسط ونهاية , حيثُ تعتبر الحلقة الواحدة منهاعملاً درامياً كاملاً , لأن كل حلقة تبدأ ببداية جديدة ليست لها علاقة بنهاية الحلقة التى سبقتها , والعلاقة الوحيدة التى تكون بين الحلقات هى وجود شخصية رئيسية تقوم بالبطولة فى كل الحلقات , أو أن الموضوع الأساسي فى كل الحلقات واحد , وهى هنا قريبة الشبه بالفيلم السينمائي أى أن الحدث يتصاعد حتى يصل إلى الذروة الرئيسية مع نهايتها .
وأخيراً ما يهم هو الاستحواذ على الإنتباه والإهتمام , وإثارة الإنفعالات العميقة لتنشيط عملية التعرف لدى المتفرج .ويلخص ذلك مارتن أيلسن فى كتابه عصر التليفزيون حيث يقول : ان التليفزيون فى جوهره وسيلة درامية . ولكن يجب أن يكون عائلياً إلى حد كبير، مفهوم للجاهل ,والمتعلم ,والمثقف لأنه أصبح شريكاً بالقوة فى حياتنا العائلية , بل وفى كل جوانب حياتنا الفردية ,والإجتماعية , يتدخل فى كل شيء , ويترك بصماته الواضحة على قيمنا وسلوكنا وعادتنا واتجاهاتنا وأفكارنا .
وفى النهاية أستطيع أن أقول أن التليفزيون يلعب دوراً هاماً فى حياة المجتمع الحديث . ويوزع أدواره المختلفة الهامة فى حياتِنا بوجهتها الإجتماعية , ومعناها الثقافي . ومن وجهة النظر الجمالية , يحتل التليفزيون مكاناً خاصاً فى منظومة وسائل الإتصال الجماهيري , فلقد ظهر الراديو ولم يطرح أحداً سؤلاً جديداً حول ولادة فن جديد أما اليوم فإن الكثير من المنظرين يميلون إلى اعتبار التليفزيون فناً مستقلاً جديداً بل أن بعضهم أطلق عليه " الفن الثامن" .
طبيعة المتفرج والفرجة
طبيعة المتفرج السينمائي والتلفزيوني :
خلق الله الإنسان وجعل له خمس حواس , وميزه بالعقل والذاكرة وأضفي عليه العاطفة والإرادة والقدرة على التخيل والحلم . . وهى القاعدة التى يقف عليها كل من الفنان والمتفرج فى عِلاقتهما الجدلية عبر تأثر الفنان بالعالم حوله وتأثيره فى هذا العالم . وحين يتعامل الفنان مع العمل الفني فإنه يُخاطِب فى متفرجيه بعض الحواس مُركزاً على العقل والذاكرة وعاطفة المتفرج , وقدرته على التخيل والحلم مؤثراً على الشعور واللاشعور . فالفنان يعرِف أنه لا يستطيع أن يستولي على مشاعر المتفرج إلا إذا تأكد الأخير أن عمل الفنان يخدُم غرضاً مماثلاً بالنسبة إليه , عند ذلك يترُك العنان للإنفعالات الحبيسة لديه التى ليس من اليسير انسيابها وقد يتعرف على شخصه فى شخصية من الشخصيات بل أنه يتعاطف معها , حتى أنه يحدث مُشاركة وجدانية بينهم .
والإتصال بين الفنان والمتفرج فى السينما والتلفزيون لا يتم وجهاً لوجه , ولذلك فالفنان فى حاجة إلى الإرتباط بهذا الإنفعال أكثر مما تحتاج إليه أى وسيله أخرى , لأنه يتوجه إلى جمهور بعيد غير مرئي . . ومع ذلك فالإنفصال بين المتفرج والفنان يحافظ على خصوصية المتفرج مما يجعله يستطيع أن يفتح الباب لانفعالاته على مصراعيه , وهو يقوم بهذا العمل , عندما يكون جالساً على مقعد فى منزله ,أو مُتلفعاً بظلام السينما عندها يصبح أمامه مجال كامل للتعرف فى الدراما السينمائية أو التلفزيونية , ولكن الفنان يجب أن يعرف أنه يتعامل مع جمهور مختلف الأجناس والخلفيات الثقافية , فهم أُناس يعيشون تحت ظروف مختلفة إلى حد بعيد , ومن شتي الثقافات والأوضاع فى المجتمع, ويزاولون مهناً متباينة , ومن ثم لهم اهتمامات ومستويات معيشية مختلفة , أى أنهم فى النهاية "جمهور مجهول الهوية" . والفنان يستمد قوة نجاحه من عواطف هؤلاء الناس الكامنة , ومن خلال الدراما السينمائية أو التلفزيونية يبذل الفنان مجهود كبير مرة تلو المرة لاجتذاب انتباه هذا الجمهور ولمس عواطفه العميقة , وحثه على التطلع إلى معرفة جديدة أو تبنيه فكرة جديدة , ومهما يكن من أمر فإن البحث عن جمهور ضخم , هى الفكرة المسيطرة على فناني السينما, والتلفزيون على السواء . فهى معركة دائمة يخوضها الفنان , معركة سلاحها الصور والأصوات, ليس من أجل الحصول على الإنتباه والعواطف , بل معركة تنافس حول توجيه العواطف نحو المعلومات والأفكار والأفعال . وهو يعرف أن الفن الجيد , إذا لم يحتوى على فكر جيد , أو أن الفكر الجيد إذا لم يقدم من خلال فن جيد , فإنه لن يكون هناك متفرجين . حتى أن موريس ويجين يعلق بقوله " للفن والفكر قناة نافعة . . بل ربما هى الأمور الأقوى تأثيراً أو على الأقل إمكانية للتأثير وذلك بسبب ما هو ميسور لها" .
طبيعة الفرجة السينمائية والتلفزيونية :
بالرغم من أن هدف الفنان السينمائي أو التلفزيوني هو اجتذاب الجماهير , إلا أن اختلاف طبيعة الجمهور الخاص بالفرجة السينمائية تختلف اختلافا بينا عن الجمهور الخاص بالفرجة التلفزيونية :
الفرجة السينمائية :
المتفرج فى السينما هو الذى يختار الفيلم الذى يشاهده وقد يكون على علم بموضوع الفيلم ويعرف من هم الممثلون . وهو الذى يختار الوقت المناسب للفرجة على الفيلم , أى اللحظة المزاجية الخاصة التى يُشاهد بها الفيلم , فمن حقه اختيار وقت فرجة الفيلم , إما حفلة 10 , أو حفلة 3 , أو حفله 6 , أو حفلة 9 , وكل حفلة لها جمهورها ذو المزاجية الخاصة. وهو يشترك في هذه اللحظة المزاجية مع عدد من المشاهدين يماثل عدد مقاعد قاعة العرض، ويقول اٍريك بارنو : أن الجمهور الذي تتشابه عقلية أفراده، والذي تركزت دوافعه الداخلية في اتجاه مشترك ، يمكن أن يحقق دورة اٍتصال سريعة . وهو عندما يختار حفلة معينة ، يخلع ملابس البيت ويرتدي ملابس الخروج ويعتني بمظهره ، لشعوره بأنه ضيف على دار العرض ، وينزل من البيت ، وهو يعرف أنه يخلق فرصة اجتماعية للخروج من المنزل والاٍلتقاء بالناس والأصدقاء ،ويركب الأتوبيس أو السيارة ثم يشتري التذكرة ، ويدخل قاعة العرض ليتفرج على الفيلم الذي اختاره وهو غير مستعد للتخلي عن رؤيته ، بعد أن تحمل كل هذه المشقة ، ثم يدخل في طقوس الفرجة نفسها التي فيها نوع من السيطرة ، فشاشة السينما بحجمها الكبير ، وبالتالي حجم الأجسام والأشياء تشعر المتفرج بالضآلة ، وهناك الظلام الذي يسود القاعة وبالتالي فهو لا يستطيع التكلم مع الذي بجانبه ، ومن هنا يأخذ اٍدراك الفيلم عنده طابع الفردية . فهو يرغب في إدراك الفيلم ولكنه لا يريد أن يشعر بنفسه كعضو في المجموع أو مشارك فعال في التقبل الجماعي ، بل على العكس من ذلك يريد أن يشعر بعزلته التامة وهذا ما تتطلبه فترة العرض منه . إن حالته أقرب إلى التأمل ، والصور التي تظهر على الشاشة تستثير لغته الداخلية ، وتحدد مسار انفعالاته وتسيطر على كل انتباهه . إنه كالأصم لا يشعر بالمشاهد الآخر .ومع ذلك فإن طريقة صف المقاعد والأجساد المتقاربة تزيد من عامل التجانس وسيادة روح القطيع فتسري عدوى الضحك أو الإنفعال بسهولة يقويها استعداد مسبق لحسن التلقي . في النهاية فإن كل ذلك يساعد على إنتقاله من واقع الحياة اليومية إلى واقع المبدع الفني.
الفرجة التليفزيونية :
تختلف الفرجة التليفزيونية عن الفرجة السينمائية تماماً،فالجمهور لا يجتمع في مكان واحد كجمهور السينما ، بل هو موزع على أبنية عديدة قد تبلغ المليون أو أكثر وهو جمهور مختلف الأعمار والأجناس والأذواق والثقافة . والمتفرج التليفزيوني ، هو متفرج مدلل ، لأنه ليس مضطراً للفرجة ، وهو لم يتكلف مشقة الذهاب لمشاهدة العرض ، كما أنه لم يدفع ثمناً لهذه الفرجة. وهو يتفرج على التليفزيون بملابسه المنزلية على الأغلب لإحساسه بأن الشاشة الصغيرة هي ضيف على بيته . وهو في مكان مضاء ، قد يشتت الإنتباه .وهو غالباً على هيئة نصف دائرة يتوسطها التليفزيون وليس في شكل صفوف . وطريقة الفرجة نفسها مفروضة عليه . ويرجع جون بنتر ذلك اٍلى الاٍتصال الذاتي الذي يحدث داخل المتفرج فيقول : عندما تشاهد التليفزيون فاٍن عينيك وأذنيك تستقبل المعلومات وترسلها اٍلى المخ . فاٍذا الذي رأيته أو سمعته كان مشوقاً وباعثاً على المتعة ، فاٍن نظام الاٍتصال الذاتي الذي عندك يعبر عن ذلك . وبالتالي تتابعه وتوليه اٍهتمامك واٍذا لم يعجبك ، يرسل المخ رسالة اٍلى عضلاتك ينتج عنها قرار بتغيير المحطة أو بالضغط على زر اٍقفال الجهاز .
وظروف الفرجة كلها غير طبيعية ، فقد يكون المتفرج عائداً لتوه من العمل ورأسه مشحون طوال النهار ، ويجلس ليشاهد المسلسل التليفزيوني مثلا . ويجلس حوله بعض الأصدقاء وزوجته وأولاده الذين يصرخون ويهللون . وقد يمسك بين يديه بأطباق الطعام أو بجريدة أو بمجلة .وقد يرن جرس التليفون كل ذلك في نفس الوقت والمتفرج في النهاية يحاول التركيز على مشاهدة المسلسل التليفزيوني.
ويفسر بتنر ذلك بقوله : كما تعمل المكونات الألكترونية في جهاز تليفزيونك على منع اٍستقبال أكثر من محطة في نفس الوقت ، فاٍن جهازك العصبي المركزي يغربل أيضاً المنبهات المختلفة كي تستطيع التركيز على تفكير لحظي واحد ـ أية محطة تشاهد ، وربما رن جرس التليفون في نفس اللحظة التي تبدأ فيها بالتفكير في تغيير المحطة . فبدلاً من الرد على التليفون قد يعطي جهاز أعصابك المركزي الأولوية اٍلى الرسالة التليفزيونية وقد تواصل الاٍنتباه اٍليها, وببساطة شديدة قد يغلق المتفرج جهاز التليفزيون وينصرف عنه لينام . ويعلق أسامة أنور عكاشة على ذلك بقوله : لابد أن تكون الدراما قادرة على الاٍمساك بمتفرج التليفزيون تماماً ، لأنه سهل الفرار بعكس متفرج السينما الذى يكمل فرجته أياً كان الفيلم الذي يعرض ، فقد يسب الفيلم بعد خروجه ، ولكنه نادراً ما يترك الفيلم ويخرج ، فهو يعتقد أنه طالما دفع ثمن التذكرة فعليه أن يتفرج على الفيلم حتى نهايته . ومن هنا كان على الدراما التليفزيونية أن تكون من القوة بحيث تمسك بهذا المتفرج ولا تجعله يفر منها . وعلى كاتب الدراما التليفزيونية أن يتمتع بالقدرة على السيطرة على موضوعه وشخصياته طوال عمل قد يستمر لمدة 10 ساعات أي ما يوازي خمس أو ست أفلام .
في النهاية يجد الفنان التليفزيوني نفسه يتعامل مع متفرج متمرد بطبيعته وبطبيعة ظروف الفرجة نفسها ،متفرج عنده اٍحساس دائم بالتفوق على الشاشة نظراً لصغر حجمها ومع ذلك فهي شديدة الصلة به . ومن هنا حاول الفنان التليفزيوني أن تتفاعل خصائص العمل التليفزيوني مع الخطوط العريضة لشخصية المتفرج وخصائصه النفسية ورغبته في الحصول على الاٍشباع .. فقد حاول التركيز على قرب الصورة من المتفرج ليقضي على الاٍنفصال الذي أوجدته الشاشة السينمائية ويزيد من عنصر الألفة بينه وبينها . وأصبحت الصورة عنده هي اللغة التي يخاطب بها المتفرج الذي يجيد القراءة اٍلى جانب المتفرج الأمي ، حتى يصل اٍلى أكبر عدد منهم . أصبح يحرص على تصوير برامج تليفزيونية تناسب متفرجين يجلسون في غرف استقبالهم في محيط عائلي يجمع أفراد الأسرة الصغيرة ، أوالكبيرة ، أو الأصدقاء ، أو الاٍثنين معاً ، وهو يعرف أن كل فرد في العائلة تحكمه مجموعة من القيم والأخلاقيات مرتبة وفق أولويات خاصة ، قد لا يكون نفس الترتيب الذي يسيطر على الفرد في محيط عائلي آخر . وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يقدم موقفاً أو تجربة خاضتها كل أسرة ,ولكنه يقدم الموقف الذي يمكن أن تتصور أي منها أنه يمكن أن يقع لها في اٍطار الظروف المكانية والزمانية المعاشة . حتى أن أسامة أنور عكاشة يقول : أن الدراما التليفزيونية موجهة لجماهير عريضة جداً تبلغ الملايين . وهذا لا يتوفر لأي وسيلة فنية أخرى . وهو ما يجعل لها اشتراطات معينة في مخاطبة عقلية هذه الملايين من الجماهير المختلفة الأذواق ,والميول ,والثقافات. ولذلك يجب أن تكون هناك لغة تليفزيونية تصل للجميع بنفس القدر. فلا هي مسفه لتخاطب الطبقات الدنيا ، اٍذا صحت التسمية ، ولا متعالية ، ولا تستطيع من خلالها أن تلجأ اٍلى التجريب ، الذي هو متاح في المسرح والسينما ، ولكنه خطر جداً في التليفزيون ، الذى يعتمد على التواصل المباشر بين الملقي والمتلقي . وقد يكون العمل فيه عدة مستويات للتلقي . ولكن يجب الاٍقتراب بحذر من موضوعات قد تثير حساسيات داخل الأسر التي تتفرج , ومراعاة التقاليد الرقابية المتعارف عليها" .
وقام الفنان التليفزيوني بنقل المناسبات والأحداث على الهواء وفوراً اٍلىٍ المتفرج في غرفته الخاصة ،لأن ظروفه تجعله لايستطيع أن يتوجه اٍلى مكان الحدث ، وذلك ليجعله مشاركاً في الأحداث ، يشاهد لحظات الذروة فيها بنفسه ، وليست منقولة اٍليه عن طريق طرف ثالث . بل أنه حمل كم هائل من المعلومات والمعرفة والأخبار ، والقصص والاٍعلانات في بيت المتفرج حتى لا يضطر اٍلى الخروج . وهكذا فرض الفنان نوع جديد من وسائل التسلية والترفيه ، وتمثيليات خاصة به ، وكان يعرف أن الجمهور يجب أن يشترك أفراده ، مع جيرانهم أو حتى في الهاتف ، ولأنه يخاطبهم في منازلهم المتفرقة ، أحس أنهم في حاجة اٍلى عدوى الضحك الذي قد يسري بين جماهير السينما، فأنشأ فكرة جمع المتفرجين في الأستديو ، أثناء التصوير ، أو عرض نسخة كاملة للتمثيلية الفكاهية بعد انتهائها على جمهور في الأستديو ثم الجمع بين أصوات ضحكهم وأصوات النسخة الأصلية قبل اٍذاعتها . أو يضيف شريط جاهز مسجل عليه ضحك اٍلى شريط التمثيلية قبل عرضها .
عرف الفنان التليفزيوني أن متفرج السينما يولي كل اهتمامه للشاشة وما يحدث عليها بل ومن الصعب عليه أن ينظر أو ينصت أو يفعل أي شيء آخر . بل اٍنه يجلس على الكرسي نفسه بدون حركة حتى انتهاء الفيلم ، ولذلك فالفنان السينمائي يكتفي باللمحة أو الإيحاء أو الإشارة غير المباشرة دون الحاجة اٍلى زيادة التصريح والتوكيد في الدراما السينمائية . بعكس جمهور التليفزيون الذي يستطيع أثناء المشاهدة التليفزيونية أن يأكل ويقرأ الجريدة ويرد على جرس التليفون ، ولذلك ابتكر الفنان أسلوبه الخاص ،في السيناريو.
ويعبر المخرج التليفزيوني محمد فاضل عن ذلك بقوله : طبيعة الفرجة ، الصالة المظلمة في السينما ، كل المتفرجين جالسين ينظرون ناحية الشاشة , لا يستطيع أحد أن يعلق لأن الشخص الذي بجواره سينهره ، ويمنعه من الكلام ، أي ساعة ونصف تركيز تام بدون أي تشتيت ، هذا بالتأكيد سيفرض تأثير على الفكرة والسيناريو والإخراج والتمثيل ، وكل العناصر الفنية المشتركة ، في المقابل ، أنا أتفرج على التليفزيون وأقوم لأرد على التليفون أو أقوم لأحضر كباية شاي ،أو حد جنبي بيكلمني ، وأجلس وأنا أسند بظهرى على كرسى مريح ، مش قاعد في كرسي السينما مركز ، أو قاعد في السرير باتفرج ، وألبس ملابسي المنزلية وكل شوية ممكن اعدل نفسي ، يعني أنام على جنبي ده شوية ، وأقعد على الجنب ده شوية وأغير طريقة جلوسي ، لكن مش حاقعد قاعدتي اللي في السينما, والتي لا أغيرها لمدة ساعة ونصف,في تركيز كامل .طبعا تغير طريقة الفرجة يؤثر على طبيعة التمثيل وطبيعة الحوار التليفزيوني .
في النهاية كان على الفنان التليفزيوني اختيار الفكرة الجيدة ، والقضية التي تهم المجتمع والاعتماد على منطقية الأحداث ، والشكل الفني الجذاب والإيقاع السريع والأحداث المتلاحقة ، التي تجعل المتفرج لا يستطيع أن يتكلم مع أي شخص بجانبه ، أو أن يقوم بفتح الباب أي أن يكون هناك نوع من التواصل الدائم بينه وبين المتفرج . كما أدرك أن البرنامج الناجح هو الذي يعزف على وتر القبول لدى المتفرجين وهو الذي يخاطب متطلبات داخلية في نفوسهم ، وشوقاً لبلورة أفكار واٍنفعالات ، أو الاطلاع على معلومات . ومن هنا كانت قوة نفاذ هذا الجهاز السحري ، حتى أن "ماكلوهان " الذى قسم وسائل الإتصال في العصر الإلكتروني الى نوعين : ساخنة وباردة , قال : اٍن التليفزيون جعل الغريب مألوفاً وجعل الساخن بارداً . بمعنى أن المتفرج مطالب دائماً بالمشاركة والتفكير والتمعن والإكمال التلقائي للصورة التي يستقبلها لأنها صورة ناقصة باٍعتبارها محدودة في 12، أو 14، أو 19، أو 21، أو 26 بوصة .
ويؤكد "ماكلوهان"في كتابه "كيف نفهم وسائل الاتصال " أن وسيلة الاتصال هي الرسالة ، وأن مجرد الجلوس أمام التليفزيون رسالة في حد ذاتها ، بصرف النظر عن المادة . كما لا يمكن اٍغفال عامل السيطرة التي يفرضها التليفزيون على أوقات الناس مما أوجد جيلاً تليفزيونياً تأقلم بوقته وعاداته مع مواعيد الإرسال التليفزيونية . حتى أن محسن زايد يطلق على هذا الجيل التليفزيوني اسم "الكائن التليفزيوني" أما محمد فاضل فيطلق عليه اسم "حيوان تليفزيوني " .
والنتيجة أن التليفزيون عندما دخل ساحة الصراع على جمهور السينما ـالتي كانت تعتبر وسيلة الترفيه الأولى ، والتي زاد الإقبال عليها مع دخول الصوت ، ونجحت في معالجة الروايات والقصص بإمكانيتها الجبارة وكان يطلق عليها أم الفنون لاحتوائها على كل شيء ـ سحب جمهوراً كبيراً من عشاق الجلوس في البيت . وباعتماده على الصورة والتقريب والفورية واٍثارة الإهتمام باللون والحركة ،استقطب الملايين من الأميين والكسالى والمكدودين ، في عالم أصبحت متطلباته المادية وعوامل التضخم تشغل الكثيرين عن التعمق وتدفعهم اٍلى الإكتفاء بما يجود به التليفزيون .كما أنه نجح في أن يحتل عرش الاتصال بعدما أضافت له الأقمار الصناعية اٍمكانيات هندسية واسعة ، فضلاً عن دخول الكمبيوتر في برمجته وتغطيته لكل شاردة وواردة تهم المتفرج .
قاومة السينما للتليفزيون
أصبح المتفرج يعرف أنه لكي يرى السينما ، فلابد من ترك المنزل للذهاب اٍليها ، ولابد من اٍنفاق بعض المال لمشاهدتها ، أما التليفزيون فيستطيع أن يراه بدون مقابل وفي أي وقت يشعر فيه برغبة في ذلك . وبات السينمائيون متأكدون أن هناك عدة أمسيات من كل أسبوع تستبعد فعلاً كليالي سيئة في شباك التذاكر بسبب عروض التليفزيون الناجحة . وهكذا سلب التليفزيون من السينما مركزها الفريد كمسل ضخم بواسطة الأفلام السينمائية.
وشعرت السينما بالمنافسة القوية ، وكانت عليها أن تواجه هذه الأزمة حتى تستعيد بسرعة جماهير المتفرجين داخل دور العرض. وكانت تطمأن نفسها اٍلى أن الناس يحبون أن يخرجوا من بيوتهم بحثاً عن الترفيه . وفي دور السينما يستطيعوا أن ينسوا مشاغلهم وهمومهم وروتين العمل وأن يصبحوا لبضع ساعات جزاءً من الجمهور ، وهذا شيء لا يستطيع التليفزيون أبداً أن يهيئه للمتفرج. ولذلك اتجهت في البداية اٍلى الإنتاج الكبير والأوسع والأعلى صوتاً والأكثر ضخامة ، وقدمت الأنظمة المختلفة التي تعتمد على فرد الصورة وعلى الشاشة العريضة , فقد كانت مستعدة أن تفعل أي شيء لمضاهاة شاشة سينمائية تقلص حجمها اٍلى واحد وعشرين بوصة ، ووضعت في غرفة الجلوس . فكان اللجوء اٍلى الجديد غير المألوف وكان في شكل "السينراما Cinerama " فباستعمال كاميرات وآلات عرض متعددة ، مع اٍحاطة الجمهور بشاشة ضخمة تم تكبيرها اٍلى عشرة أضعاف حجمها العادي ، يتم تقديم عرض بصري يثير العجب . ثم كانت الأفلام الثلاثية الأبعاد Thee -Dimension- pictures ، والتي كانت تلزم المتفرجين بوضع نظارات خاصة ثلاثية الأبعاد أيضا ، لتساعد على تجميع الصور المتفرقة المعروضة على الشاشة بواسطة تخفيف التدرج اللوني بينها . ومع نجاح السينراما المحدود نظراً لتكلفة المعدات اللازمة لها ، وعدم الإقبال الكبير على الأفلام ذات الأبعاد الثلاثة والتي لم تعش طويلاً ، ظهرت السينماسكوب Cinema Scope، والتي زادت من عرض الشاشة بنسبة اٍثنين الى خمسة , وكان فيلم الرداءThe Rope أول اٍنتاج لشركة فوكس القرن العشرين بالسينماسكوب " . وبالإضافة اٍلى السينماسكوب كان شكل البنافزيون وأفلام 70 مللي ، ورافقهم الصوت المجسم أي"الستريوفونيك " ثم تأكدت السينما أنه اٍذا أريد لجماهير المتفرجين الرجوع اٍلى السينما فاٍنها بحاجة اٍلى أفلام ضخمة ذات طابع ملحمي ، فكان فيلم كوفاديس 1953 اٍخراج ميرفن ليردي . ـ والذي تكلف اٍنتاجه في ذلك الوقت أكثر من خمسة ملايين دولار واشترك فيه أكثر من خمسة آلآف كومبارس, وما لايقل عن عشرين أسد , واثنين من الغوريلآ , ثم تلتها بفيلم بن هير ثم فيلم كيلوباترا . ولم تكتفي السينما بالموضوعات التاريخية ذات المعارك الضخمة, والمجاميع الكبيرة , والقصور الفخمة , والألوان الطبيعية بل اٍنها تركت للتليفزيون الموضوعات التقليدية التي لا يستطيع أن يعالجها ،أوحتى يفكر في معالجتها كموضوعات الجنس والاٍنحرافات الجنسية ، كما أنها قدمت أفلام العنف وملاحم الكوارث والخيال العلمي ، وهكذا عمدت اٍلى ممارسة حرية التعبير التي لديها اٍلى أقصى حد.
في النهاية نتسآءل هل العلاقة بين السينما والتليفزيون هي مجرد علاقة تنافس على نفس جماهير المتفرجين،وأن نجاح أحدهما يعني زوال الآخر؟ أم هي علاقة تقارب وتكامل وأن أساسها واحد هو الصورة والتي قال عنها جويدو أستياركو : اٍن فن الصورة هو فن الحاضر والمستقبل . . . في الواقع اٍن حاجتهما المشتركة وأساليبهما المتشابكة تجعلهم في علاقة متبادلة متكاملة لا تنفصم تماماً كالزواج الكاثوليكي ، حتى أن المخرج أنطونيوني قال : أستطيع أن أقول من بعد لينين ان السينما والتليفزيون أهم الفنون لنا " .فالسينما تفيد من الإمكانيات المتاحة للانتشار والاتصال مع الجماهير الواسعة بعدم تجاهلها وسيلة رائعة تبلغ بها الملايين بل عشرات الملايين في آن واحد هي التليفزيون . بل اٍن السينمائيون يتعلمون كل يوم طرقاً جديدة لتطوير اٍنتاجهم ولزيادة أرباحهم من خلال هذا الجهاز . بل اٍنهم أصبحوا يسعون جادين اٍلى تصوير أفلام ومسلسلات للتليفزيون تستخدم فيها كبار مؤلفيها ومخرجيها ونجومها مما جعل أنطونيوني يعلق " من السهل أن يتخيل المرء أن أدوات الاتصال الجماهيري سوف تتغير . وهو حين قال ذلك كان قطعاً يفكر بالألكترونيات ،أي أن شريط الفيديو يمكن أن يحل محل شريط الفيلم السينمائي . هناك اٍذن توافق بين السينما كأداة توصيل اٍلى جماهير شديدة الاتساع.
وفي النهاية وكما تقول الجملة الشهيرة "بقدر ما يصنع الفيلم الجمهورـ يصنع الجمهور الفيلم , فبقدر ما يؤثر الفيلم السينمائي أو التليفزيوني في الجمهور فيشكل ضميره ويغير عاداته ويحول قناعاته . فاٍن الجمهور يشارك في صنعهما بما يتحقق فيه من رغبات متصورة له . والجمهور الحالي لم يعد الجمهور الجامد القديم .الذي يمكن اٍرضاؤه ببساطة وبطريقة بدائية على المستوى الجمالي .بل صار قوة فاعلة يحسن وضعها في المسار الخلاق لحرية الثقافة ذاتها . اٍذن المشكلة ليست في اجتذاب الجماهير الواسعة ،بل هي قضية الخلق الفني بالذات .[center]
مقدمة
يعتبر السيناريو هو الهيكل والإطار العام للفيلم , فقصة الفيلم وموضوعه يتحددان من خلاله , وكذلك الحبكة والشخصيات. وبذلك يكون السيناريو هو رسم باللغة والبناء العام لما سينفذ بالصورة والحركة. فالسيناريو يقدم للمخرج وغيره من الفنانين صانعى الفيلم، اللغة والأساس لتنظيم العمل السينمائي واتساقه.
وكاتب السيناريو هو الذي يعمل علي النص، وأحياناً يكون هو نفسه مؤلفه. فعمل كاتب السيناريو هو وضع الكلمات علي الورق ورسم الشخصية وتطورها بوضوح وكذلك تحديد البناء القصصي والتيمات. وقد يطلب المنتج من كاتب السيناريو عمل مسودة أو ما يسمي بالنص الاستكشافي speculative script لعرضها علي المنتجين .
** الدراما **
مقدمة
تعد الخمسينات من القرن العشرين الحقبة الذهبية للتليفزيون , كانت زمن التجارب المستمرة المتتابعة , وكانت هذه التجارب تجارب حية . كان التليفزيون حينذاك شيئا جديدا دخل على ساحة الأتصال , وكان يسيطر عليها الراديو والصحف والسينما . وكان الراديو يتمتع بميزة الإنتشار وسرعة تغطية الأحداث , وكانت الصحف تسيطر على ميدان التحليل الأخبارى والرأى السياسى إلى جانب خدماتها الأعلانية , وكانت السينما وسيلة الترفيه الأولى وزاد الإقبال عليها مع دخول الصوت ونجحت فى معالجة الروايات والقصص والتأكيد على العنصر الدرامى , وكان يطلق عليها أم الفنون لإحتوائها على كل شئ . ودخل التليفزيون ساحة الصراع على جمهور الأذاعة والصحافة والسينما فسحب جمهورا كبيرا منهم . فلم يكن مجرد وسيلة إتصال تضاف إلى سابقاتها من الوسائل , بل أحدث وبكل المقاييس , ثورة أجتماعية حضارية تماثل الثورة التى أحدثتها المطبعة فى مسيرة الإنسانية .
طبيعة فن السينما والتليفزيون
طبيعة فن السينما :
نشأت فنون الرقص , والغناء , والدراما , والأدب , والموسيقى , والفن التشكيلي نشأة خاصة , فقد كانت نشأتها بين النخبة الممتازة من الناس . فلم يمارسها ولم يتمتع بها إلا الأرستقراطيون . أما السينما فقد نبعت من صالات التسلية البدائية فكانت نوعاَ من أنواع التسلية واللهو . ولعل نشأتها المتواضعة جعلت الخاصة تتجاهلها فى أول أمرها , ولكن سرعان ما استحال استمرار هذا التجاهل , إذ أن إقبال المتفرجين وضحكاتهم أخذت ترتفع , فأخذت السينما تكتسح ما يقف أمامها فى قوة الطوفان الجارف حتى صارت من أهم وسائل الإتصال السمعية والبصرية فى القرن العشرين . وللموضوع جذوره . . فقد وصف ليوناردو دافنشى فى مذكراته التى لم تنشر , والتى جاء ذكرها بالتفصيل فى كتاب " السحر الطبيعي " لمؤلفه جيوفانى باستاد بللا يورتا , والذى نُشر عام 1558 أصل الصورة السينمائية بقوله " إذا أنت جلست فى حجرة دامسة الظلام فى يوم مشمس , ولم يكن بالحجرة سوى ثقب بمقدار رأس الدبوس فى أحد جوانبها , استطعت أن ترى على الحائط المقابل للثقب , أو على سطح أخر فى الغرفة , ظلالاَ أو خيالات للعالم الخارجي : شجرة , أو رجلاَ , أو عربة عابرة .
وما أشبه جماعة من الناس فى غرفة مظلمة , يتطلعون فى دهشة وعجب إلى الخيالات المتحركة , بجماعة من المتفرجين فى قاعة مظلمة يشاهدون شاشة السينما , وهكذا كما نرى بدأت السينما بالصور فقط .وبقوة الصور لم تجد السينما الصامتة صعوبة فى إرضاء جماهير ضخمة .
وفى أول الأمر حاول السينمائيون أن يصوروا للمتفرجين المسرحيات برمتها , وكما هى , بل والكاميرا ثابتة على بعد محدد . وكان الممثلون يواجهون المتفرجين مواجهة تامة تماماَ كما يفعلون على خشبة المسرح . بل إن المشاهد كانت تبدأ بدخول الممثلين وتنتهي بخروجهم . كانوا يريدون الظفر بما فى المسرح من قوة ناتجة عن وجود الممثلين بلحمهم وشحمهم , فقد كان عرض العلاقات الإنسانية فى المسرحيات المصورة يثير فى نفس المتفرج الشعور بالتوتر ويغريه بالتعرف على نفسه , وهو المفتاح الذى يفتح مغاليق الإنفعال . فقد كانت مشكلة السينما الرئيسية هى عدم وجود متفرجين كما فى المسرحية . وبعد عدة سنوات تبينت السينما أنها تستطيع أن تفعل أكثر من تصوير المسرحية , بل أنها تستطيع أن تحول ضعفها إلى قوة . فعندما أدخل جريفث " اللقطة القريبة " , كانت دهشة المتفرجين كبيرة إلى حد دعاهم إلى الصياح " أين أرجل هذا الوجه ؟ .
ولكن السينما , مضت تخلق وتثبت تقاليدها الخاصة , والتى هى أشد ترابطاَ وثباتاَ من تقاليد المسرح , ثم كان تغير مكان الرؤية , فبعد أن يصور جزء من مشهد من زاوية معينة , يصور جزء أخر من زاوية أخرى وكان الخوف من ذلك أن يشعر المتفرج بالدوار - ولكن المتفرج لم يُبد أى تبرم على إعفائه من القيود البدنية المفروضة على الجسد , وقبل على الفور دور المتفرج المتحرك . . ينظر من جانب ثم ينتقل لينظر من الجانب الآخر , وينظر من بعيد ثم من قريب , مرة من داخل الغرفة إلى الخارج , ومرة أخرى من الخارج إلى داخل الغرفة , مرة من فوق كتف البطلة , ومرة أخرى من فوق كتف البطل .
وهكذا تحولت نقطة الضعف ( أى عدم وجود متفرجين ) , إلى نقطة قوة ( أى عنصر الحركة ) . كانت الحركة الذاخرة بالمعنى تأسر الإهتمام , بل إنها تخلق لدى المتفرج الشعور بالتوتر والإنفعال .ومع أن السينما كانت تتصف بالقوة منذ بدايتها , ولكنها عندما أصبحت ناطقة كبُرَ أتساع أهميتها كوسيلة تعبير . فالكلمات تستطيع أن تقوم بتوضيح الحركة ومعانيها , وبالجمع بين الصور الغنية بالتفاصيل والمعاني , وبين الكلمات التى تقول بطبيعتها شيئاَ واحداً فى وقت واحد , أكسب السينما قوة فريدة تعمل على إدماج المتفرج فى سيل دائم من التفكير والإنفعال وتجعله شريكاَ مشاركاَ إلى حد عظيم . وهكذا نراها وصلت باستغلال عدم وجود المتفرجين , إلى أن تتعلم كيف تنمى طاقتها المؤثرة فى العواطف . فكثيراً من المشاهد التى كان يراها المتفرج بارعة, انما كانت كذلك لأن المتفرج نفسه هو الذى يقوم بتمثيلها , وذلك لأن مجموعة اللقطات الغنية بالمعاني , استدرجته إلى نوع من الإنفعال تصبح فيها الأدوار متبادلة بينه وبين الممثل .
هكذا أصبح للسينما لغة لها أجروميتها ومفرداتها وحسناتها وبلاغتها ... حيث اللقطة هى الوحدة الأولية , ومن تراكيب هذه اللقطات تتكون المشاهد , وجمال اللقطة وانسيابها أو تصادمها مع اللقطة التالية ينتج معنى ما , يصر السينمائى أن يُشرك المتفرج معه فى استنتاج هذا المعنى فيصبح دوره إيجابياَ فى عملية التلقي , كما يملك السينمائى عناصر الموسيقى . . والمؤثرات الصوتية . . والإضاءة . . واللون . . والتمثيل . . والتكوين , وكلها عناصر تشكل مفردات اللغة التى يُكتب بها على الشاشة , وتشكل فى الوقت نفسه قنوات الإتصال بينه وبين المتفرج عبر السمع والبصر معا . وهكذا أصبحت السينما وسيلة سمعية بصرية أساسية من وسائل الإتصال الجماهيري , تناولت كل شريحة من شرائح المجتمع وعالجت كل موضوع ووصلت إلى كل جمهور. بل أنها أصبحت تستحق أن يُطلق عليها اسم " الفن السابع " .
طبيعة فن التليفزيون :
وصلت السينما إلى جمهورها الواسع فى بدايات القرن العشرين ولم تأخذ شكلها كفن ذو ملامح خاصة إلا فى العشرينات أما شاشة التليفزيون فقد ولدت فى العشرينات وانتشرت فى الأربعينات كسينما على الهواء مباشرة , ولم تصل إلى البيوت إلا فى الخمسينات. ومنذ البداية وكما اعتمدت السينما على تصوير العروض المسرحية , إعتمد التليفزيون على السينما , وورث كثيراً من تقاليدها , وعلاقتها بالجمهور , ثم علاقتها بالأفكار .
ولو بحثنا فى أساس كل من السينما والتليفزيون , لوجدنا أنها " الصورة " فشاشة السينما كالتلسكوب تفتش عن الأشياء البعيدة لتقربها , أما شاشة التليفزيون فهى كالميكروسكوب تفتش عن الأشياء الدقيقة وتحاول تكبيرها , ولذلك فهى تتيح للتلفزيوني ميزات لا يحصل عليها السينمائى , فالمتفرج يتعامل معها على انها صديق حميم تقربه من الأحداث الواقعية , وتفيض بالإنفعالات الصادقة والمشاعر النبيلة . ويقول رينيه كلير فى كتابه سينما الأمس وسينما اليوم ," فى الواقع أن التليفزيون يتمتع بميزتين : "الفورية" أى إمكانية بث حدث ما بثاً مباشراً , "والمودة" - أى إمكانية تقديم عرض , على ما يبدو , لمشاهد واحد ومن أجله وحده بينما يراه فى الحقيقة ملايين المشاهدين المتفرقين فى اللحظة ذاتها " . بل إنه يمثل ثورة أعظم فى ميدان الاتصال البشرى من السينما نفسها . ومنذ ظهور التليفزيون أُعيد تصميم غُرف الجلوس , وظهرت فى الأسواق كراسي خاصة له , وموائد صغيرة للأكل أثناء مشاهدته , وأطعمة مجمدة سريعة التجهيز. واستطاع التليفزيون أن يَشُد إليه اهتمام الناسُ بدرجةٍ هائلة عندما نقل إليهم سلسلة من العروض الحية الفورية التى حولت هذا الجهاز من لعبة غالية الثمن إلى ضرورة حقيقية . فقام بنقل المباريات الرياضية المهمة , والمسرحيات والأوبرات , وحفلات الموسيقى , والباليه , وهكذا أتاح للملايين فرصة الاستمتاع بما كان يقتصر على القلة المتميزة التى تستطيع أن تدفع ثمن تذكرة الدخول إلى الملعب , أو دار الأوبرا . ولم تقتصر مهمته على ذلك فقد قام بنقل مباشر للأحداث , التى لم يكن يحلم المتفرج بأن يراها إلا بعد حدوثها بوقت يسمح بتحميض الفيلم السينمائى وطبعه وعمل المونتاج له . ولكن وبشكل فوري نقل للمشاهد فى بيته حادث اغتيال قائد الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج , ثم غطى أهم حدث فى الستينات وهو نزول أول إنسان حي على سطح القمر , لقد نقل كل هذه الأحداث فور وقوعها إلى المشاهد فى غرفة الجلوس وغرفة النوم وفى المطبخ أو حيث يوجد جهاز التليفزيون الخاص به .
وهكذا أصبح التليفزيون نافذة واسعة على العالم كما وصفه موريس ويجين ناقد جريدة سنداى تايمس الذى قال : " التليفزيون . . بديل للرحلة والصحبة بينما نحن منكمشين فى مخابئنا نستخدمه كمنظار نتبين به الناس والعالم". وقال نيوتن مينو رئيس لجنة الإتصالات الفيدرالية " إذا لم تعرف ما يجرى على شاشة التليفزيون فأنت تفتقد العالم كله" . وببساطة أُعطى المتفرج الإحساس بأنه ينظر إلى جزء من الحياة جديد عليه وغريب وهام , وأنه يلتقي بالناس ويرى الأشياء التى لولا هذه الوسيلة لَحُرِم من رؤيتها . وقد قام عالم الإجتماع جارى ستاينر بكتابة تقرير عنوانه " كيف ينظر الناس إلى التليفزيون " عن عادات الناس فى استخدام التليفزيون ومشاعرهم تجاهه فكان رأى الأغلبية : التليفزيون مدهش , إنه ببساطة شيء مدهش . لماذا لأن التليفزيون جاء بالدنيا كلها . إنني ببساطة أُحبه . أُحب كل شيء فيه أُحب أن أرى الرئيس,وهو أمر لم يكن متيسراَ من قبل.وأُحب الروايات , وببساطة أُحب كل دقيقة , انه أكثر الأشياء إثارة فى عمري . وهكذا أصبحت الفورية فى التليفزيون بمثابة صنبور يستمد من خزان كبير عام , مواد البرامج المأخوذة من الحياة مباشرةً ويصبها فى حجرة المتفرج .
كان التليفزيون يعرف أن من يريد أن يتحدث بلغة من اللغات عليه أن يتعلم قواعد النحو الخاصة بها , وكان يعرف أن مفتاح الطريق إلى الجماهير الكبيرة , وإلى اكتساب جماهير جديدة , هو التعرف الانفعالي, وهذا معناه الإعتماد على الدراما أى التحدث إليهم بلغة مفهومة . ومع أن التليفزيون استفاد من السينما لغتها لتكون لغته هو أيضاً ,فاللقطة بأحجامها المختلفة , ووسائل الربط بين هذه اللقطات المختلفة واحدة أيضاً والصورة تنتقل عن طريق عدد من الكاميرات . والتى لكل منها إمكانيات واسعة جداً فى الحركة والقرب والبعد والإرتفاع والإنخفاض . وهناك الإضاءةُ التى لا تلعب فقط دوراً فى إبراز الصورة ولكنها تستطيع أيضاً تجسيد الحالة النفسية للشخصيات والمُعَاونة فى رسم الجو العام للقطة أو المشهد , بالإضافة إلى إمكانيات المونتاج والمؤثرات الصوتية . إلا أنه عرف أنها تشكل فقط أساساً جديداً للغة معالجة درامية خاصة به ,. تختلف تماماً عن لغة المعالجة الدرامية فى السينما , عنها فى المسرح حتى أن الناقد آلان بريان يقول : إن الدراما التليفزيونية يتيمة جاءت ثمرة طلاق أبويها المسرح والسينما , ويجب على التمثلية التليفزيونية ولها عينا أبويها وأُذنا أُمها وفمُها الخاص - أن تكون قادرة على تحقيق قوة فردية مثيرة .
ويلخص إريك بارنو هذا الإختلاف فى كتابه الإتصال بالجماهير بقوله : عندما بدأ السينمائيون يعرضون الأفلام على شاشة التليفزيون تبينوا أن عليهم , أن يزيدوا من اللقطات القريبة المكبرة وأن يقللوا من اللقطات البعيدة . . فالفيلم السينمائى يُعرض على شاشة كبيرة عريضة . . أما فى التليفزيون فالمتفرج يجلس قريباً من الجهاز . . كأنه يجلس إلى صديق . ولذلك كان على الفنان التليفزيوني التركيز والإقتراب بهدف الوصول إلى العمق لتحديد طريقة تلقي المتفرج وتذوقه وتوجيه انتباهه . وحتم ذلك على الدراما التليفزيونية أن تستمد مادتها بطريقة مباشرة من الحياة فهى فن إنساني يرتبط بمشاكل الحياة الإقتصادية, والإجتماعية, والسياسية,والدينية ,والأخلاقية . كان عليها أن تحذف التفاصيل التى لا أهمية لها فى تطور الأحداث وبلورة الشخصيات , وكان على حركة الكاميرات ,والممثل ,والتكوينات أن تكون نابعة من داخل الموضوع وموظفة لتحقيق غرض درامي محدد وإيقاع جيد , حتى تستطيع أن تتوغل بلا استئذان إلى عقل وقلب المشاهد . حتى أن روبرت فريزر المدير العام لهيئة التليفزيون البريطانية يقول : يتم التوصيل بمستويين - هما المستوى العقلي حيث تدور المعرفة والآراء فى المجتمع , والمستوى العاطفي حيث يتولد الشعور بالعطف على الآخرين . . والتليفزيون قوة رهيبة فى كلا المستويين .
وفى رأى أُسامة أنور عكاشة كاتب السيناريو المصرى أن النص الدرامي فى التليفزيون لا يختلف عن النص الدرامي فى المسرح ,أو فى السينما من أنهما يعتمدان قواعد درامية واحدة وهى القواعد الأرُسطية من قواعد الدراما الكلاسيكية . ولكن الإختلاف يأتي من طول العمل , أى أنه إذا قَصُر يُصبح سهرة فى التليفزيون تأخذ تقريباً حيز المسرحية , وإذا طال يأخذ شكل مسلسل من سبع حلقات, أو عشرة ,أو عشرين حلقة ,أو أكثر حسب ما يقتضي الموضوع وهو تكرار لشكل ألف ليلة وليلة , أى أن شهرزاد تحكى لشهريار كل ليلة وعند جزء معين تعمل قفلة الحلقة وتعلقه لليوم التالى , وهذا شيء الإرتباط به متغلغل فى المثيولوجي الخاص بنا وفى فولكلورُنا , أى الحدوتة التى ترويها ستى وستك للأطفال قبل النوم .
ومن هنا نرى أن الدراما التليفزيونية تأخذ عدة أشكال منها : المسلسل , والسلسلة , والتمثيلية التليفزيونية . والموضوع هو الذى يفرض الشكل الذى يُقدم به , حتى أن أُسامة أنور عكاشة يتساءل : كيف أَكتُب مسلسل " ليالي الحلمية " فى فيلم سينمائى وكيف أَكتُب فيلم " كتيبة إعدام " فى مسلسل تلفزيوني...
والمسلسل ,كل حلقاته مُتَصٍلة وكل شخصياته واحدة ويتم تطوير الصراع والشخصيات منذ الحلقة الأولى حتى نهاية الحلقة الأخيرة ,ومع ذلك فكل حلقة تُمثِل دراما صغيرة كاملة وتتوقف فى أكثر الأماكن إثارة للإهتمام , وينتظر المتفرج بفارغ الصبر الحلقة التالية ليعرف كيف تطورت الأحداث . وفى رأى أُسامة أنور عكاشة أن كل حلقة يجب أن يكون متحقق فيها القواعد الدرامية, صحيح أنك مش مطلوب أن تصل إلى الحل فى نهاية كل حلقة , إنما يبقي هناك تنمية للحدث من بداية الحلقة إلى أخرها , ويبقى هناك تصاعد فى المشهد باستمرار , وهو ما يحقق السيطرة على المتفرج , لأنه سيخاف أن يتحرك أو يبعُد عن التليفزيون حتى لا يفوته شيء مهم " .
أما السلسلة ,فتكون حلقاتها منفصلة أى أنها بمثابة تمثيلية مستقلة لها بداية ووسط ونهاية , حيثُ تعتبر الحلقة الواحدة منهاعملاً درامياً كاملاً , لأن كل حلقة تبدأ ببداية جديدة ليست لها علاقة بنهاية الحلقة التى سبقتها , والعلاقة الوحيدة التى تكون بين الحلقات هى وجود شخصية رئيسية تقوم بالبطولة فى كل الحلقات , أو أن الموضوع الأساسي فى كل الحلقات واحد , وهى هنا قريبة الشبه بالفيلم السينمائي أى أن الحدث يتصاعد حتى يصل إلى الذروة الرئيسية مع نهايتها .
وأخيراً ما يهم هو الاستحواذ على الإنتباه والإهتمام , وإثارة الإنفعالات العميقة لتنشيط عملية التعرف لدى المتفرج .ويلخص ذلك مارتن أيلسن فى كتابه عصر التليفزيون حيث يقول : ان التليفزيون فى جوهره وسيلة درامية . ولكن يجب أن يكون عائلياً إلى حد كبير، مفهوم للجاهل ,والمتعلم ,والمثقف لأنه أصبح شريكاً بالقوة فى حياتنا العائلية , بل وفى كل جوانب حياتنا الفردية ,والإجتماعية , يتدخل فى كل شيء , ويترك بصماته الواضحة على قيمنا وسلوكنا وعادتنا واتجاهاتنا وأفكارنا .
وفى النهاية أستطيع أن أقول أن التليفزيون يلعب دوراً هاماً فى حياة المجتمع الحديث . ويوزع أدواره المختلفة الهامة فى حياتِنا بوجهتها الإجتماعية , ومعناها الثقافي . ومن وجهة النظر الجمالية , يحتل التليفزيون مكاناً خاصاً فى منظومة وسائل الإتصال الجماهيري , فلقد ظهر الراديو ولم يطرح أحداً سؤلاً جديداً حول ولادة فن جديد أما اليوم فإن الكثير من المنظرين يميلون إلى اعتبار التليفزيون فناً مستقلاً جديداً بل أن بعضهم أطلق عليه " الفن الثامن" .
طبيعة المتفرج والفرجة
طبيعة المتفرج السينمائي والتلفزيوني :
خلق الله الإنسان وجعل له خمس حواس , وميزه بالعقل والذاكرة وأضفي عليه العاطفة والإرادة والقدرة على التخيل والحلم . . وهى القاعدة التى يقف عليها كل من الفنان والمتفرج فى عِلاقتهما الجدلية عبر تأثر الفنان بالعالم حوله وتأثيره فى هذا العالم . وحين يتعامل الفنان مع العمل الفني فإنه يُخاطِب فى متفرجيه بعض الحواس مُركزاً على العقل والذاكرة وعاطفة المتفرج , وقدرته على التخيل والحلم مؤثراً على الشعور واللاشعور . فالفنان يعرِف أنه لا يستطيع أن يستولي على مشاعر المتفرج إلا إذا تأكد الأخير أن عمل الفنان يخدُم غرضاً مماثلاً بالنسبة إليه , عند ذلك يترُك العنان للإنفعالات الحبيسة لديه التى ليس من اليسير انسيابها وقد يتعرف على شخصه فى شخصية من الشخصيات بل أنه يتعاطف معها , حتى أنه يحدث مُشاركة وجدانية بينهم .
والإتصال بين الفنان والمتفرج فى السينما والتلفزيون لا يتم وجهاً لوجه , ولذلك فالفنان فى حاجة إلى الإرتباط بهذا الإنفعال أكثر مما تحتاج إليه أى وسيله أخرى , لأنه يتوجه إلى جمهور بعيد غير مرئي . . ومع ذلك فالإنفصال بين المتفرج والفنان يحافظ على خصوصية المتفرج مما يجعله يستطيع أن يفتح الباب لانفعالاته على مصراعيه , وهو يقوم بهذا العمل , عندما يكون جالساً على مقعد فى منزله ,أو مُتلفعاً بظلام السينما عندها يصبح أمامه مجال كامل للتعرف فى الدراما السينمائية أو التلفزيونية , ولكن الفنان يجب أن يعرف أنه يتعامل مع جمهور مختلف الأجناس والخلفيات الثقافية , فهم أُناس يعيشون تحت ظروف مختلفة إلى حد بعيد , ومن شتي الثقافات والأوضاع فى المجتمع, ويزاولون مهناً متباينة , ومن ثم لهم اهتمامات ومستويات معيشية مختلفة , أى أنهم فى النهاية "جمهور مجهول الهوية" . والفنان يستمد قوة نجاحه من عواطف هؤلاء الناس الكامنة , ومن خلال الدراما السينمائية أو التلفزيونية يبذل الفنان مجهود كبير مرة تلو المرة لاجتذاب انتباه هذا الجمهور ولمس عواطفه العميقة , وحثه على التطلع إلى معرفة جديدة أو تبنيه فكرة جديدة , ومهما يكن من أمر فإن البحث عن جمهور ضخم , هى الفكرة المسيطرة على فناني السينما, والتلفزيون على السواء . فهى معركة دائمة يخوضها الفنان , معركة سلاحها الصور والأصوات, ليس من أجل الحصول على الإنتباه والعواطف , بل معركة تنافس حول توجيه العواطف نحو المعلومات والأفكار والأفعال . وهو يعرف أن الفن الجيد , إذا لم يحتوى على فكر جيد , أو أن الفكر الجيد إذا لم يقدم من خلال فن جيد , فإنه لن يكون هناك متفرجين . حتى أن موريس ويجين يعلق بقوله " للفن والفكر قناة نافعة . . بل ربما هى الأمور الأقوى تأثيراً أو على الأقل إمكانية للتأثير وذلك بسبب ما هو ميسور لها" .
طبيعة الفرجة السينمائية والتلفزيونية :
بالرغم من أن هدف الفنان السينمائي أو التلفزيوني هو اجتذاب الجماهير , إلا أن اختلاف طبيعة الجمهور الخاص بالفرجة السينمائية تختلف اختلافا بينا عن الجمهور الخاص بالفرجة التلفزيونية :
الفرجة السينمائية :
المتفرج فى السينما هو الذى يختار الفيلم الذى يشاهده وقد يكون على علم بموضوع الفيلم ويعرف من هم الممثلون . وهو الذى يختار الوقت المناسب للفرجة على الفيلم , أى اللحظة المزاجية الخاصة التى يُشاهد بها الفيلم , فمن حقه اختيار وقت فرجة الفيلم , إما حفلة 10 , أو حفلة 3 , أو حفله 6 , أو حفلة 9 , وكل حفلة لها جمهورها ذو المزاجية الخاصة. وهو يشترك في هذه اللحظة المزاجية مع عدد من المشاهدين يماثل عدد مقاعد قاعة العرض، ويقول اٍريك بارنو : أن الجمهور الذي تتشابه عقلية أفراده، والذي تركزت دوافعه الداخلية في اتجاه مشترك ، يمكن أن يحقق دورة اٍتصال سريعة . وهو عندما يختار حفلة معينة ، يخلع ملابس البيت ويرتدي ملابس الخروج ويعتني بمظهره ، لشعوره بأنه ضيف على دار العرض ، وينزل من البيت ، وهو يعرف أنه يخلق فرصة اجتماعية للخروج من المنزل والاٍلتقاء بالناس والأصدقاء ،ويركب الأتوبيس أو السيارة ثم يشتري التذكرة ، ويدخل قاعة العرض ليتفرج على الفيلم الذي اختاره وهو غير مستعد للتخلي عن رؤيته ، بعد أن تحمل كل هذه المشقة ، ثم يدخل في طقوس الفرجة نفسها التي فيها نوع من السيطرة ، فشاشة السينما بحجمها الكبير ، وبالتالي حجم الأجسام والأشياء تشعر المتفرج بالضآلة ، وهناك الظلام الذي يسود القاعة وبالتالي فهو لا يستطيع التكلم مع الذي بجانبه ، ومن هنا يأخذ اٍدراك الفيلم عنده طابع الفردية . فهو يرغب في إدراك الفيلم ولكنه لا يريد أن يشعر بنفسه كعضو في المجموع أو مشارك فعال في التقبل الجماعي ، بل على العكس من ذلك يريد أن يشعر بعزلته التامة وهذا ما تتطلبه فترة العرض منه . إن حالته أقرب إلى التأمل ، والصور التي تظهر على الشاشة تستثير لغته الداخلية ، وتحدد مسار انفعالاته وتسيطر على كل انتباهه . إنه كالأصم لا يشعر بالمشاهد الآخر .ومع ذلك فإن طريقة صف المقاعد والأجساد المتقاربة تزيد من عامل التجانس وسيادة روح القطيع فتسري عدوى الضحك أو الإنفعال بسهولة يقويها استعداد مسبق لحسن التلقي . في النهاية فإن كل ذلك يساعد على إنتقاله من واقع الحياة اليومية إلى واقع المبدع الفني.
الفرجة التليفزيونية :
تختلف الفرجة التليفزيونية عن الفرجة السينمائية تماماً،فالجمهور لا يجتمع في مكان واحد كجمهور السينما ، بل هو موزع على أبنية عديدة قد تبلغ المليون أو أكثر وهو جمهور مختلف الأعمار والأجناس والأذواق والثقافة . والمتفرج التليفزيوني ، هو متفرج مدلل ، لأنه ليس مضطراً للفرجة ، وهو لم يتكلف مشقة الذهاب لمشاهدة العرض ، كما أنه لم يدفع ثمناً لهذه الفرجة. وهو يتفرج على التليفزيون بملابسه المنزلية على الأغلب لإحساسه بأن الشاشة الصغيرة هي ضيف على بيته . وهو في مكان مضاء ، قد يشتت الإنتباه .وهو غالباً على هيئة نصف دائرة يتوسطها التليفزيون وليس في شكل صفوف . وطريقة الفرجة نفسها مفروضة عليه . ويرجع جون بنتر ذلك اٍلى الاٍتصال الذاتي الذي يحدث داخل المتفرج فيقول : عندما تشاهد التليفزيون فاٍن عينيك وأذنيك تستقبل المعلومات وترسلها اٍلى المخ . فاٍذا الذي رأيته أو سمعته كان مشوقاً وباعثاً على المتعة ، فاٍن نظام الاٍتصال الذاتي الذي عندك يعبر عن ذلك . وبالتالي تتابعه وتوليه اٍهتمامك واٍذا لم يعجبك ، يرسل المخ رسالة اٍلى عضلاتك ينتج عنها قرار بتغيير المحطة أو بالضغط على زر اٍقفال الجهاز .
وظروف الفرجة كلها غير طبيعية ، فقد يكون المتفرج عائداً لتوه من العمل ورأسه مشحون طوال النهار ، ويجلس ليشاهد المسلسل التليفزيوني مثلا . ويجلس حوله بعض الأصدقاء وزوجته وأولاده الذين يصرخون ويهللون . وقد يمسك بين يديه بأطباق الطعام أو بجريدة أو بمجلة .وقد يرن جرس التليفون كل ذلك في نفس الوقت والمتفرج في النهاية يحاول التركيز على مشاهدة المسلسل التليفزيوني.
ويفسر بتنر ذلك بقوله : كما تعمل المكونات الألكترونية في جهاز تليفزيونك على منع اٍستقبال أكثر من محطة في نفس الوقت ، فاٍن جهازك العصبي المركزي يغربل أيضاً المنبهات المختلفة كي تستطيع التركيز على تفكير لحظي واحد ـ أية محطة تشاهد ، وربما رن جرس التليفون في نفس اللحظة التي تبدأ فيها بالتفكير في تغيير المحطة . فبدلاً من الرد على التليفون قد يعطي جهاز أعصابك المركزي الأولوية اٍلى الرسالة التليفزيونية وقد تواصل الاٍنتباه اٍليها, وببساطة شديدة قد يغلق المتفرج جهاز التليفزيون وينصرف عنه لينام . ويعلق أسامة أنور عكاشة على ذلك بقوله : لابد أن تكون الدراما قادرة على الاٍمساك بمتفرج التليفزيون تماماً ، لأنه سهل الفرار بعكس متفرج السينما الذى يكمل فرجته أياً كان الفيلم الذي يعرض ، فقد يسب الفيلم بعد خروجه ، ولكنه نادراً ما يترك الفيلم ويخرج ، فهو يعتقد أنه طالما دفع ثمن التذكرة فعليه أن يتفرج على الفيلم حتى نهايته . ومن هنا كان على الدراما التليفزيونية أن تكون من القوة بحيث تمسك بهذا المتفرج ولا تجعله يفر منها . وعلى كاتب الدراما التليفزيونية أن يتمتع بالقدرة على السيطرة على موضوعه وشخصياته طوال عمل قد يستمر لمدة 10 ساعات أي ما يوازي خمس أو ست أفلام .
في النهاية يجد الفنان التليفزيوني نفسه يتعامل مع متفرج متمرد بطبيعته وبطبيعة ظروف الفرجة نفسها ،متفرج عنده اٍحساس دائم بالتفوق على الشاشة نظراً لصغر حجمها ومع ذلك فهي شديدة الصلة به . ومن هنا حاول الفنان التليفزيوني أن تتفاعل خصائص العمل التليفزيوني مع الخطوط العريضة لشخصية المتفرج وخصائصه النفسية ورغبته في الحصول على الاٍشباع .. فقد حاول التركيز على قرب الصورة من المتفرج ليقضي على الاٍنفصال الذي أوجدته الشاشة السينمائية ويزيد من عنصر الألفة بينه وبينها . وأصبحت الصورة عنده هي اللغة التي يخاطب بها المتفرج الذي يجيد القراءة اٍلى جانب المتفرج الأمي ، حتى يصل اٍلى أكبر عدد منهم . أصبح يحرص على تصوير برامج تليفزيونية تناسب متفرجين يجلسون في غرف استقبالهم في محيط عائلي يجمع أفراد الأسرة الصغيرة ، أوالكبيرة ، أو الأصدقاء ، أو الاٍثنين معاً ، وهو يعرف أن كل فرد في العائلة تحكمه مجموعة من القيم والأخلاقيات مرتبة وفق أولويات خاصة ، قد لا يكون نفس الترتيب الذي يسيطر على الفرد في محيط عائلي آخر . وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يقدم موقفاً أو تجربة خاضتها كل أسرة ,ولكنه يقدم الموقف الذي يمكن أن تتصور أي منها أنه يمكن أن يقع لها في اٍطار الظروف المكانية والزمانية المعاشة . حتى أن أسامة أنور عكاشة يقول : أن الدراما التليفزيونية موجهة لجماهير عريضة جداً تبلغ الملايين . وهذا لا يتوفر لأي وسيلة فنية أخرى . وهو ما يجعل لها اشتراطات معينة في مخاطبة عقلية هذه الملايين من الجماهير المختلفة الأذواق ,والميول ,والثقافات. ولذلك يجب أن تكون هناك لغة تليفزيونية تصل للجميع بنفس القدر. فلا هي مسفه لتخاطب الطبقات الدنيا ، اٍذا صحت التسمية ، ولا متعالية ، ولا تستطيع من خلالها أن تلجأ اٍلى التجريب ، الذي هو متاح في المسرح والسينما ، ولكنه خطر جداً في التليفزيون ، الذى يعتمد على التواصل المباشر بين الملقي والمتلقي . وقد يكون العمل فيه عدة مستويات للتلقي . ولكن يجب الاٍقتراب بحذر من موضوعات قد تثير حساسيات داخل الأسر التي تتفرج , ومراعاة التقاليد الرقابية المتعارف عليها" .
وقام الفنان التليفزيوني بنقل المناسبات والأحداث على الهواء وفوراً اٍلىٍ المتفرج في غرفته الخاصة ،لأن ظروفه تجعله لايستطيع أن يتوجه اٍلى مكان الحدث ، وذلك ليجعله مشاركاً في الأحداث ، يشاهد لحظات الذروة فيها بنفسه ، وليست منقولة اٍليه عن طريق طرف ثالث . بل أنه حمل كم هائل من المعلومات والمعرفة والأخبار ، والقصص والاٍعلانات في بيت المتفرج حتى لا يضطر اٍلى الخروج . وهكذا فرض الفنان نوع جديد من وسائل التسلية والترفيه ، وتمثيليات خاصة به ، وكان يعرف أن الجمهور يجب أن يشترك أفراده ، مع جيرانهم أو حتى في الهاتف ، ولأنه يخاطبهم في منازلهم المتفرقة ، أحس أنهم في حاجة اٍلى عدوى الضحك الذي قد يسري بين جماهير السينما، فأنشأ فكرة جمع المتفرجين في الأستديو ، أثناء التصوير ، أو عرض نسخة كاملة للتمثيلية الفكاهية بعد انتهائها على جمهور في الأستديو ثم الجمع بين أصوات ضحكهم وأصوات النسخة الأصلية قبل اٍذاعتها . أو يضيف شريط جاهز مسجل عليه ضحك اٍلى شريط التمثيلية قبل عرضها .
عرف الفنان التليفزيوني أن متفرج السينما يولي كل اهتمامه للشاشة وما يحدث عليها بل ومن الصعب عليه أن ينظر أو ينصت أو يفعل أي شيء آخر . بل اٍنه يجلس على الكرسي نفسه بدون حركة حتى انتهاء الفيلم ، ولذلك فالفنان السينمائي يكتفي باللمحة أو الإيحاء أو الإشارة غير المباشرة دون الحاجة اٍلى زيادة التصريح والتوكيد في الدراما السينمائية . بعكس جمهور التليفزيون الذي يستطيع أثناء المشاهدة التليفزيونية أن يأكل ويقرأ الجريدة ويرد على جرس التليفون ، ولذلك ابتكر الفنان أسلوبه الخاص ،في السيناريو.
ويعبر المخرج التليفزيوني محمد فاضل عن ذلك بقوله : طبيعة الفرجة ، الصالة المظلمة في السينما ، كل المتفرجين جالسين ينظرون ناحية الشاشة , لا يستطيع أحد أن يعلق لأن الشخص الذي بجواره سينهره ، ويمنعه من الكلام ، أي ساعة ونصف تركيز تام بدون أي تشتيت ، هذا بالتأكيد سيفرض تأثير على الفكرة والسيناريو والإخراج والتمثيل ، وكل العناصر الفنية المشتركة ، في المقابل ، أنا أتفرج على التليفزيون وأقوم لأرد على التليفون أو أقوم لأحضر كباية شاي ،أو حد جنبي بيكلمني ، وأجلس وأنا أسند بظهرى على كرسى مريح ، مش قاعد في كرسي السينما مركز ، أو قاعد في السرير باتفرج ، وألبس ملابسي المنزلية وكل شوية ممكن اعدل نفسي ، يعني أنام على جنبي ده شوية ، وأقعد على الجنب ده شوية وأغير طريقة جلوسي ، لكن مش حاقعد قاعدتي اللي في السينما, والتي لا أغيرها لمدة ساعة ونصف,في تركيز كامل .طبعا تغير طريقة الفرجة يؤثر على طبيعة التمثيل وطبيعة الحوار التليفزيوني .
في النهاية كان على الفنان التليفزيوني اختيار الفكرة الجيدة ، والقضية التي تهم المجتمع والاعتماد على منطقية الأحداث ، والشكل الفني الجذاب والإيقاع السريع والأحداث المتلاحقة ، التي تجعل المتفرج لا يستطيع أن يتكلم مع أي شخص بجانبه ، أو أن يقوم بفتح الباب أي أن يكون هناك نوع من التواصل الدائم بينه وبين المتفرج . كما أدرك أن البرنامج الناجح هو الذي يعزف على وتر القبول لدى المتفرجين وهو الذي يخاطب متطلبات داخلية في نفوسهم ، وشوقاً لبلورة أفكار واٍنفعالات ، أو الاطلاع على معلومات . ومن هنا كانت قوة نفاذ هذا الجهاز السحري ، حتى أن "ماكلوهان " الذى قسم وسائل الإتصال في العصر الإلكتروني الى نوعين : ساخنة وباردة , قال : اٍن التليفزيون جعل الغريب مألوفاً وجعل الساخن بارداً . بمعنى أن المتفرج مطالب دائماً بالمشاركة والتفكير والتمعن والإكمال التلقائي للصورة التي يستقبلها لأنها صورة ناقصة باٍعتبارها محدودة في 12، أو 14، أو 19، أو 21، أو 26 بوصة .
ويؤكد "ماكلوهان"في كتابه "كيف نفهم وسائل الاتصال " أن وسيلة الاتصال هي الرسالة ، وأن مجرد الجلوس أمام التليفزيون رسالة في حد ذاتها ، بصرف النظر عن المادة . كما لا يمكن اٍغفال عامل السيطرة التي يفرضها التليفزيون على أوقات الناس مما أوجد جيلاً تليفزيونياً تأقلم بوقته وعاداته مع مواعيد الإرسال التليفزيونية . حتى أن محسن زايد يطلق على هذا الجيل التليفزيوني اسم "الكائن التليفزيوني" أما محمد فاضل فيطلق عليه اسم "حيوان تليفزيوني " .
والنتيجة أن التليفزيون عندما دخل ساحة الصراع على جمهور السينما ـالتي كانت تعتبر وسيلة الترفيه الأولى ، والتي زاد الإقبال عليها مع دخول الصوت ، ونجحت في معالجة الروايات والقصص بإمكانيتها الجبارة وكان يطلق عليها أم الفنون لاحتوائها على كل شيء ـ سحب جمهوراً كبيراً من عشاق الجلوس في البيت . وباعتماده على الصورة والتقريب والفورية واٍثارة الإهتمام باللون والحركة ،استقطب الملايين من الأميين والكسالى والمكدودين ، في عالم أصبحت متطلباته المادية وعوامل التضخم تشغل الكثيرين عن التعمق وتدفعهم اٍلى الإكتفاء بما يجود به التليفزيون .كما أنه نجح في أن يحتل عرش الاتصال بعدما أضافت له الأقمار الصناعية اٍمكانيات هندسية واسعة ، فضلاً عن دخول الكمبيوتر في برمجته وتغطيته لكل شاردة وواردة تهم المتفرج .
قاومة السينما للتليفزيون
أصبح المتفرج يعرف أنه لكي يرى السينما ، فلابد من ترك المنزل للذهاب اٍليها ، ولابد من اٍنفاق بعض المال لمشاهدتها ، أما التليفزيون فيستطيع أن يراه بدون مقابل وفي أي وقت يشعر فيه برغبة في ذلك . وبات السينمائيون متأكدون أن هناك عدة أمسيات من كل أسبوع تستبعد فعلاً كليالي سيئة في شباك التذاكر بسبب عروض التليفزيون الناجحة . وهكذا سلب التليفزيون من السينما مركزها الفريد كمسل ضخم بواسطة الأفلام السينمائية.
وشعرت السينما بالمنافسة القوية ، وكانت عليها أن تواجه هذه الأزمة حتى تستعيد بسرعة جماهير المتفرجين داخل دور العرض. وكانت تطمأن نفسها اٍلى أن الناس يحبون أن يخرجوا من بيوتهم بحثاً عن الترفيه . وفي دور السينما يستطيعوا أن ينسوا مشاغلهم وهمومهم وروتين العمل وأن يصبحوا لبضع ساعات جزاءً من الجمهور ، وهذا شيء لا يستطيع التليفزيون أبداً أن يهيئه للمتفرج. ولذلك اتجهت في البداية اٍلى الإنتاج الكبير والأوسع والأعلى صوتاً والأكثر ضخامة ، وقدمت الأنظمة المختلفة التي تعتمد على فرد الصورة وعلى الشاشة العريضة , فقد كانت مستعدة أن تفعل أي شيء لمضاهاة شاشة سينمائية تقلص حجمها اٍلى واحد وعشرين بوصة ، ووضعت في غرفة الجلوس . فكان اللجوء اٍلى الجديد غير المألوف وكان في شكل "السينراما Cinerama " فباستعمال كاميرات وآلات عرض متعددة ، مع اٍحاطة الجمهور بشاشة ضخمة تم تكبيرها اٍلى عشرة أضعاف حجمها العادي ، يتم تقديم عرض بصري يثير العجب . ثم كانت الأفلام الثلاثية الأبعاد Thee -Dimension- pictures ، والتي كانت تلزم المتفرجين بوضع نظارات خاصة ثلاثية الأبعاد أيضا ، لتساعد على تجميع الصور المتفرقة المعروضة على الشاشة بواسطة تخفيف التدرج اللوني بينها . ومع نجاح السينراما المحدود نظراً لتكلفة المعدات اللازمة لها ، وعدم الإقبال الكبير على الأفلام ذات الأبعاد الثلاثة والتي لم تعش طويلاً ، ظهرت السينماسكوب Cinema Scope، والتي زادت من عرض الشاشة بنسبة اٍثنين الى خمسة , وكان فيلم الرداءThe Rope أول اٍنتاج لشركة فوكس القرن العشرين بالسينماسكوب " . وبالإضافة اٍلى السينماسكوب كان شكل البنافزيون وأفلام 70 مللي ، ورافقهم الصوت المجسم أي"الستريوفونيك " ثم تأكدت السينما أنه اٍذا أريد لجماهير المتفرجين الرجوع اٍلى السينما فاٍنها بحاجة اٍلى أفلام ضخمة ذات طابع ملحمي ، فكان فيلم كوفاديس 1953 اٍخراج ميرفن ليردي . ـ والذي تكلف اٍنتاجه في ذلك الوقت أكثر من خمسة ملايين دولار واشترك فيه أكثر من خمسة آلآف كومبارس, وما لايقل عن عشرين أسد , واثنين من الغوريلآ , ثم تلتها بفيلم بن هير ثم فيلم كيلوباترا . ولم تكتفي السينما بالموضوعات التاريخية ذات المعارك الضخمة, والمجاميع الكبيرة , والقصور الفخمة , والألوان الطبيعية بل اٍنها تركت للتليفزيون الموضوعات التقليدية التي لا يستطيع أن يعالجها ،أوحتى يفكر في معالجتها كموضوعات الجنس والاٍنحرافات الجنسية ، كما أنها قدمت أفلام العنف وملاحم الكوارث والخيال العلمي ، وهكذا عمدت اٍلى ممارسة حرية التعبير التي لديها اٍلى أقصى حد.
في النهاية نتسآءل هل العلاقة بين السينما والتليفزيون هي مجرد علاقة تنافس على نفس جماهير المتفرجين،وأن نجاح أحدهما يعني زوال الآخر؟ أم هي علاقة تقارب وتكامل وأن أساسها واحد هو الصورة والتي قال عنها جويدو أستياركو : اٍن فن الصورة هو فن الحاضر والمستقبل . . . في الواقع اٍن حاجتهما المشتركة وأساليبهما المتشابكة تجعلهم في علاقة متبادلة متكاملة لا تنفصم تماماً كالزواج الكاثوليكي ، حتى أن المخرج أنطونيوني قال : أستطيع أن أقول من بعد لينين ان السينما والتليفزيون أهم الفنون لنا " .فالسينما تفيد من الإمكانيات المتاحة للانتشار والاتصال مع الجماهير الواسعة بعدم تجاهلها وسيلة رائعة تبلغ بها الملايين بل عشرات الملايين في آن واحد هي التليفزيون . بل اٍن السينمائيون يتعلمون كل يوم طرقاً جديدة لتطوير اٍنتاجهم ولزيادة أرباحهم من خلال هذا الجهاز . بل اٍنهم أصبحوا يسعون جادين اٍلى تصوير أفلام ومسلسلات للتليفزيون تستخدم فيها كبار مؤلفيها ومخرجيها ونجومها مما جعل أنطونيوني يعلق " من السهل أن يتخيل المرء أن أدوات الاتصال الجماهيري سوف تتغير . وهو حين قال ذلك كان قطعاً يفكر بالألكترونيات ،أي أن شريط الفيديو يمكن أن يحل محل شريط الفيلم السينمائي . هناك اٍذن توافق بين السينما كأداة توصيل اٍلى جماهير شديدة الاتساع.
وفي النهاية وكما تقول الجملة الشهيرة "بقدر ما يصنع الفيلم الجمهورـ يصنع الجمهور الفيلم , فبقدر ما يؤثر الفيلم السينمائي أو التليفزيوني في الجمهور فيشكل ضميره ويغير عاداته ويحول قناعاته . فاٍن الجمهور يشارك في صنعهما بما يتحقق فيه من رغبات متصورة له . والجمهور الحالي لم يعد الجمهور الجامد القديم .الذي يمكن اٍرضاؤه ببساطة وبطريقة بدائية على المستوى الجمالي .بل صار قوة فاعلة يحسن وضعها في المسار الخلاق لحرية الثقافة ذاتها . اٍذن المشكلة ليست في اجتذاب الجماهير الواسعة ،بل هي قضية الخلق الفني بالذات .[center]