تحتل الصحافة الإلكترونية أهمية بالغة في حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ذلك أنها باتت تشكل مساحة هامة من الثقافة الالكترونية التي تؤدي دورا رئيسا في ميادين التنمية الاجتماعية والسياسية ودعم أسس الديمقراطية والحوار البناء في المجتمع.
ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، موعد ولادة الصحافة الالكترونية، التي ارتبطت مباشرة بثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات نتيجة التطور التقني وانتشار المعلومات بسرعة فائقة، استطاعت الصحافة الالكترونية أن تعبر القارات وتتخطى الحدود ليصبح المشهد الإعلامي الدولي أكثر انفتاحا وسعة حيث أصبح بمقدور من يشاء الإسهام في إيصال صوته ورأيه لجمهور واسع من القراء دونما تعقيدات الصحافة الورقية وموافقة الناشر في حدود معينة.
وبذلك اتسعت الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق وأثبتت الظاهرة الإعلامية الجديدة قدرتها على تخطي الحدود الجغرافية بيسر وسهولة، ليبرز لدينا السؤال المهم، هل من الممكن أن تحل الصحافة الإلكترونية يوما ما بديلا عن الصحافة المطبوعة أم منافسا لها؟ أم هل تشكل الصحافة الإلكترونية رديفا حقيقيا للصحافة المطبوعة المسؤولة أو بديلا حقيقيا لها في المستقبل؟ . كما برز سؤال أكثر أهمية حول نجاح الصحف الالكترونية ومنتدياتها في جذب واستقطاب المتصفحين الذين يضعون فيها آراء وأفكارا حرة غير خاضعة للرقابة لجهة المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه الآراء والطروحات؟.
وضمن الإطار العام لعنوان الدراسة؟ سنحاول هنا تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع الهام .
منذ تنامي هذه الظاهرة الإعلامية الجديدة والنقاش جار حول مستقبل المنافسة بين الصحافة المطبوعة والصحافة الالكترونية حيث ذهب البعض إلى الحديث عن تلاشي الصحافة المطبوعة لصالح الصحافة الالكترونية التي تقل كلفتها كثيرا عن الصحافة المطبوعة. ولعل المتفائلين بمستقبل الصحافة الالكترونية إنما ينطلقون من افتراض أن المجتمعات كلها في طريقها إلى استيعاب وسائل تكنولوجيا المعلومات والإعلام وأن كل فرد سيكون حاملا لجهاز حاسوب وفي كل بيت جهاز، وهذا افتراض موضع شك في مجتمعاتنا ويحتاج إلى وقت طويل. كما أن الشريحة المتابعة للصحافة الالكترونية ليست الشريحة المنتجة أو المعلنة بمفهومها الواسع لأنها طبقة - في معظمها - شابة. كما يدعم هذا الاتجاه التجارب الأولية التي واكبت الأزمة المالية العالمية الحالية والتي أدت إلى انهيار صحف مطبوعة وظهور صحف الكترونية قليلة الكلفة. كما توقع خبراء أن يشهد قطاع الصحافة والإعلام تحولا كبيرا خلال الأعوام العشرة المقبلة، وذلك في ظل التطور الكبير الذي سيطرأ على محتواها وطرق طرحها حيث نلاحظ دوليا أن أسهم أسواق الطباعة شهدت انخفاضا ملحوظا في السنوات الأخيرة على الرغم من أن بعض المطبوعات الشهيرة حافظت على ثباتها عبر تقديم حلول تقنية تواكب احتياجات القارئ العصرية، في حين شهدت الصحافة الالكترونية إقبالا كبيرا من مختلف شرائح القراء. ومن المتوقع أن تتساوى عائدات قطاعي الطباعة والانترنت معا بحلول العام 2018 بحسب دراسة أجرتها شركة البرمجيات العملاقة (ميكروسوفت) تقول إن العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018م على الأقل في الدول المتقدمة، لذا فإنه ليس من المبالغة أن نتحدث عن إمكانية حدوث توقعات ميكروسوفت طالما سارت الأمور على وتيرتها الحالية وطالما بقيت الصحافة المطبوعة تعنى بالخبر المحروق بلغة الصحافة قبل طباعته بأربع وعشرين ساعة. ولقد أدركت بعض الصحف المطبوعة هذه الحقيقة مما جعل الكثير منها يلجأ إلى إصدار نسخة الكترونية من الصحيفة بشكل مبكر كما لجأ البعض منها إلى استحداث ما يسمى بالمنابر الالكترونية في محاولة للتعويض عن فارق سرعة الخبر وحرية التعبير التي تتمتع بهما مواقع الصحافة الالكترونية. كما أتاح الموقع الإلكتروني للجريدة التواصل مع القراء بشكل أكبر اذ يوفر للقراء إمكانية قراءة القصص الإخبارية والتعليق عليها، كما يوفر لهم حرية أكبر بالتعامل مع المواد التحريرية. ولعل ما أقدمت عليه صحيفة الرأي الأردنية بإطلاقها منبر الرأي كان خير دليل على ذلك.
في بداية الأمر، كانت الصحافة الإلكترونية عبارة عن مجرد مواقع تحتوي على مقالات وموضوعات وأفكار وأطروحات ورؤى بسيطة وعلى شكل منتديات الحوار التي تتميز بسهولة تحميل برامجها وبساطة تركيبها وقد نجحت هذه المنتديات في جذب واستقطاب المتصفحين الذين يضعون فيها آراء وأفكارا حرة غير خاضعة للرقابة مثلما يحدث في المواقع الكبرى.
ولكن ما الذي يميز الصحف الإلكترونية ويشكل سر نجاحها خاصة في مجتمعاتنا العربية؟ الجواب ينبع من الحرية شبه الكاملة التي يتمتع بها القارئ والكاتب على حد سواء بخلاف الصحافة الورقية التي تكون بالعادة قد تم تعديل مقالاتها من قبل الناشر لأكثر من مرة حتى يكون وفقا لسياسة الصحيفة كما لا يمكن تسجيل أراء القراء وردود أفعالهم مباشرة على تلك المقالات المنشورة. كما تتميز الصحافة الالكترونية بالسرعة في تلقي الأخبار العاجلة وتضمين الصور وأفلام الفيديو مما يدعم مصداقية الخبر وكذلك سرعة وسهولة تداول البيانات على الإنترنت بفارق كبير عن الصحافة الورقية التي يجب انتظارها حتى اليوم التالي. كما توفر مواقع الصحافة الالكترونية فرصة حدوث تفاعل مباشر بين القارئ والكاتب معا من خلال مشاركة مباشرة للقارئ في عملية التحرير عن طريق التعليقات التي توفرها الكثير من الصحف الإلكترونية للقراء بحيث يمكن للمشارك أن يكتب تعليقه على أي مقال أو موضوع ويقوم بالنشر لنفسه في نفس اللحظة. كما ان الكلفة المالية لإصدار صحيفة الكترونية متواضعة مقارنة مع تكاليف الورق والطباعة الذي يثقل ميزانية الصحف الورقية، وأخيرا لا تحتاج الصحف الإلكترونية إلى مقر لجميع العاملين ويمكن إصدار الصحف الإلكترونية بفريق عمل متفرق في أنحاء العالم. ومع ذلك فإنني أرى أن عمر الخبر على الصحافة المكتوبة أطول نسبيا مما هو عليه في الصحافة الالكترونية التي لم تعتمد بعد نظاما أرشيفيا واضحا يسهل للقارئ سهولة العودة للخبر في أي وقت يشاءه.
تواجه الصحافة الإلكترونية العديد من الصعوبات ومن أهمها: صعوبات مادية تتعلق بتمويلها وتسديد مصاريفها، غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام، ندرة الصحفي الإلكتروني المحترف، وكذلك عدم وجود عائد مادي للصحافة الإلكترونية من خلال الإعلانات كما هي الحال في الصحافة الورقية حيث أن المعلن لا يزال يشعر بعدم الثقة في الصحافة الإلكترونية، وأخيرا غياب الأنظمة واللوائح والقوانين الناظمة للصحافة الالكترونية وهو ما نحتاجه ونسعى للحصول عليه.
في الأردن والمنطقة فان تجربة الصحافة الالكترونية مازالت في المهد على أكثر تقدير ومن يدعي رواجها وتحقيقها أرباحا إنما يجافي واقع الإحصاءات والأرقام التي تنشرها الصحف الالكترونية التي خاضت التجربة، حيث إنها لم تحقق أية أرباح ومازال استقطابها للإعلان لا يشكل أكثر من 20 في المئة من كلفتها. وحتى اليوم لا تزال معظم المواقع تعتمد على الأخبار المنشورة في صحف مطبوعة وليس لها مراسلين خاصين. إذن فالأزمة ليست أزمة صحافة مطبوعة بل أزمة صحافة شاملة سواء المطبوع منها أو الالكتروني أو المسموع أو المرئي.
فمن جهة، هناك من يرى أن المقارنة بين الصحافة الورقية والإلكترونية مرفوضة من منطلق أن الصحافة الورقية صحافة بالمعنى العلمي والواقعي للكلمة وأن الصحافة الإلكترونية مجرد وسيلة للنشر وجمع النصوص والمقالات والأخبار والصور وبشكل آلي مجرد من المشاعر والإبداع والفاعلية. أما الطرف الآخر فيرى أن الصحافة الإلكترونية مكملة لدور الصحافة الورقية والمطبوعة وليس هناك صراع بينهما إلا أن التمويل أصبح الآن من آليات نجاح تلك الصحف في شكلها الحديث الذي ينعكس بالتالي على شكل وأداء الموقع من حيث تنوع أخباره وتحديثها.
وقد أثبتت عدة دراسات ومسوحات متعلقة بالصحافة الإلكترونية بعض خصائص قراء الصحف الإلكترونية العربية من حيث إنهم في الغالب ذكور وشباب، حيث أن التحدي الذي جلبته شبكة الإنترنت أظهرت أجيالا جديدة لا تقبل الصحف المطبوعة، وكشفت الدراسات أيضا أن الكثير من القراء يقرون بأنهم يتصفحون الصحف الإلكترونية بشكل يومي، ويعزو هؤلاء سبب رضاهم وإقبالهم على الصحافة الإلكترونية إلى أسباب منها أنها متوفرة طوال اليوم وإمكانية الوصول إليها مباشرة، كما أنها تمكنهم من متابعة الأخبار من أي مكان وعن أي بلد مهما تباعدت مواقعهم. وبالرغم أن كثيرا من القراء عبروا عن عدم رضا عن المحتوى الرسمي لبعض هذه الصحف، إلا أن نسبة كبيرة من القراء أبدوا مستوى معقولا من الرضا عنها. كما بينت الدراسات أبرز التحديات التي تواجه الصحافة العربية على شبكة الإنترنت مثل ضعف عائد السوق، سواء من القراء أو المعلنين، وعدم وجود صحافيين مؤهلين لإدارة تحرير الطبعات الإلكترونية، إضافة إلى المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار الدولية والأجنبية التي أصدرت لها مواقع إلكترونية منافسة باللغة العربية.
عالميا أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أنه وخلال الخمسة أعوام المقبلة أن الغالبية العظمى ستتجه إلى الحصول على الأخبار من المواقع الإلكترونية بدلا من نشرات الأخبار التلفزيونية. وهذا يدل على انه لن يخضع تقييم أي مطبوعة في المستقبل لمستوى جودتها الطباعية بل لغنى وتطور المحتوى مقارنة بالمحتوى الالكتروني. كما أظهرت الدراسات أن الأمريكيين لم يعودوا يشاهدون الأخبار على الشبكات التلفزيونية الكبرى على الرغم من الأحداث المهمة التي استقطبت انتباه الرأي العام مثل اعتداءات 11 سبتمبر 2001 والحرب على العراق. كما تشير الدراسات إلى تراجع الثقة بمصداقية الصحف الأمريكية من 80؟ عام 1985 إلى 49؟. في العام الماضي، وفي المقابل سجل الإقبال على 26 موقعا شعبيا على الانترنت تزايدا بمعدل 80؟ ما بين 2002 و2006. وملخص القول أن الصحافة الورقية في الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو الانحدار في الوقت الذي انتشرت فيه الصحافة الإلكترونية، على العكس من الدول العربية التي مازالت المنافسة الورقية قائمة مع وجود بداية واضحة وقوية للصحافة الإلكترونية. حيث بين المحرر في جريدة الرأي أن الوضع الإعلاني بالنسبة للصحافة المطبوعة لا يزال مستقرا إلى حد ما مقارنة بما وصل إليه الحال في الدول الغربية. وتقوم صحيفة الرأي بتوزيع 120 ألف نسخة شهريا، بينما يصل عدد زوار الموقع الالكتروني للجريدة ما يقارب 4,2 مليون زائر في الشهر الواحد.
ولعل ذلك يعود إلى جملة من الأسباب أهمها، انه هناك تقاسم في سوق القراء والإعلان بين الصحافة الالكترونية والصحافة المطبوعة، وبعكس الصحافة الالكترونية فإن الإنسان القارئ بطبعه يميل إلى احتواء ما يقرأ والورق وحده يتيح لك ذلك ويشعرك بأن ما تقرأ هو خاص بك، وهذا بدوره يقلل من حجم الاشتراكات في وسائل الإعلام الالكترونية، وقد سعت الصحافة المطبوعة إزاء هذا الزحف الالكتروني إلى التوزيع مجانا في كثير من البلدان غير العربية، لكنها لم تستطع إعادة صياغة التحرير الصحافي وإن حاولت.
ولاشك أن الصحف الإلكترونية الأردنية بدأت بالظهور مؤخرا بكثرة حاملة وسام المنافسة والتغطية السريعة ومستوى مقبولا من الشفافية في نقل الأخبار. ولكن في ظل كون تلك المواقع على امتدادات عالمية وليس لها رقيب محلي فان ذلك يشكل خطرا للصحافة المطبوعة أو الورقية في ظل النقل المباشر للأخبار والتغطيات والفعاليات والحرية المفتوحة للتعبير عن الآراء والتفاعل مع الحدث.
وأعتقد أنه مع اضطراد استخدام الانترنت وظهور المزيد من الصحف الالكترونية أو صدور نسخ الكترونية من صحف مطبوعة كرديف لها سيتبلور لاحقا إلى تحول الصحف المطبوعة إلى ما يشبه صحفا تحليلية ورأي ومنوعات وصور.
وعن الجانب القانوني للشفافية والمصداقية للصحف الالكترونية، نلاحظ أن بيئة الانترنت من حيث تكوينها ديمقراطية البناء والمشاركة وتقوم على فكرة حرية اختيار المستخدم لمصدر معلوماته وقدرته على الوصول إلى الآراء والمعلومات، وفي الوقت نفسه على فكرة شفافية المعلومات وإتاحة الفرصة لإبداء الآراء بكل حرية .. وهذه الطبيعة هي التي دفعت مختلف دول العالم المتقدم والنامي لعدم وضع أية قيود على استخدام الانترنت للحد من أية ضوابط قد تتعارض مع هذه الطبيعة. ومن ناحية واقعية ورغم أن غالبية الدول تتبع أشكال مختلفة من الرقابة والتقييد لكنها لا تصرح بمثل هذا الإجراءات بل تخفيها لقناعتها بان هذه الإجراءات المقيدة هي أمر مرفوض من قبل المشرعين وجهات القضاء ومنظمات حقوق الإنسان وجهات الحرية والرأي المختلفة. إلا أن هذا الأمر لا ينفي المسؤولية المهنية لرؤساء التحرير والناشرين للصحف الالكترونية من حيث منع نشر أي مادة صحفية سواء كانت مقالا أم تعليقا إن لم تكن تلك المادة موثقة بالشكل الصحيح كمعرفة اسم صاحبها الحقيقي مثلا وذلك تجنبا للنزول بالمستوى المهني إلى مستوى متدن وخلق حالات من الاحتقانات الاجتماعية التي نحن في غنى عنها. ومن الواضح أن ذلك لا يشغل بال الصحف الالكترونية كثيرا نظرا لان معرفة صاحب التعليق أو الكاتب بضرورة توثيق معلوماته يؤدي حسب اعتقادهم وبالضرورة إلى شح في كم التعليقات وبالتالي الاختفاء من زحمة التنافس وسوق الإثارة الصحفية المرجوة.
أن سقف الحرية الممنوح للقراء والمتصفحين للمواقع الالكترونية عاليا لجهة أن كلا من الكتاب والقراء يستطيع أن يتكلم تحت اسم مستعار أو من وراء ستار مما يخلق جرأة في الكتابة لا حدود لها ولا ضوابط ومن خلال تعليقات يرد أغلبها بأسماء وهمية وتنطوي على اهانات وسخرية وشتائم لا يمكن لإنسان سوي مفكرا كان أو كاتبا أو قارئا أن يستسيغه أو يتحمله. كما نرى أن بعض التعليقات المنشورة قد تتجاوز حد النقد والتعبير عن الرأي إلى حد المساس بهيبة الدولة ومؤسساتها وشخصياتها العامة التي نعتز بها مما يشكل خروجا صارخا عن حدود الحرية المسئولة. ولا يعقل أن حرية إبداء الرأي والتعبير التي يتيحها الإعلام الإلكتروني (التي سقفها السماء كما أرادها جلالة الملك) تصبح منبرا لكل صاحب هوى وأجندة خاصة وجهالة واضحة في الفكر والمعرفة، أن يبث حقده الدفين على مؤسسات الدولة أو أشخاص لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية. وقد تأخذ التعليقات منحى آخر حينما يتحول الحوار إلى إقليمي أو عشائري أو تدعيما لمسئول أو تقربا منه أو تشهيرا بمسئول آخر واتهامه بأنه مقصر أو فاسد طمعا في منفعة شخص آخر وهكذا يصبح الأمر وكأنه حرب شعواء تطال كل شيء حتى أدق أمورك الشخصية.
والغريب انك ترى بعض أصحاب المواقع الالكترونية يستمتعون بذلك شعورا منهم بأن ذلك يزيد في جماهيرية الموقع وبالتالي زيادة المساحة الإعلانية المرجوة. والأغرب من ذلك حينما تعرف أن عدد كبير من التعليقات تعود لشخص واحد ولكن بأسماء متعددة والذي قد ينتمي أيضا لنفس أسرة الموقع الالكتروني. أن هذا الموضوع جد خطير خاصة مع تنامي عدد الصحف الالكترونية وزيادة عدد مرتادي مواقعها مما يشكل ساحة مفتوحة للتنافس على جذب المعلنين حتى لو كان ذلك أحيانا عن طريق الابتزاز أو النقد الجارح أو تصيد الأخطاء في أماكن معروف أنها تستجيب بسهولة وتدفع المطلوب أما خوفا أو طمعا. والحل يكمن بشكل جزئي في ضرورة تسجيل القراء أو أصحاب التعليقات (توثيق البيانات) قبل السماح لهم بوضع تعليقاتهم أو رسائلهم أو حتى مقالاتهم وذلك ليسهل الرجوع إليها عند الضرورة وحتى لا يتجرأ أصحاب الهوى في نشر ما يسيء مختبئين خلف أسمائهم الوهمية.
ومما يزيد من جرعة التجني على المؤسسات والأشخاص من قبل هذه الصحف هو عدم قيام كثير من محرري معظم هذه الصحف الالكترونية أو عدم رغبتهم بوضع ضوابط مهنية حقيقية أو تفعيل رقابة أخلاقية على ما ينشر على مواقعهم مما يكفل تدمير حرية الحوار وخروجه عن القانون خاصة إذا ما كان ذلك معلوما للجميع. ومما يزيد الأمر خطورة هو معرفة الناشرين بضوضائية المسؤولية القانونية عن النشر في المواقع الالكترونية بشكل عام مما يدفعهم إلى إحداث وتبني كل ما من شأنه لفت نظر الجمهور لموقعه وزيادة عدد الزائرين وتفاعلهم مما يشجع المعلنين إلى المسارعة في إرسال إعلاناتهم إلى هذا الموقع أو ذاك وبالتالي تحقيق الهدف المنشود في أجواء أصبحت مشحونة بالتنافس على الإثارة والسبق الصحفي والقدرة على جعل صحيفتك الالكترونية ذات جماهيرية عالية.
في الأردن يجب أن يعكس مدى الاهتمام بالصحافة الإلكترونية حاليا من خلال تأسيس اتحاد أو جمعية للصحافة الإلكترونية - قد يتبع نقابة الصحفيين الأردنيين مثلا- يستهدف الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية والمالية للمؤلفين والدخول كطرف لفض أي نزاع بين الأعضاء وأي أطراف أخرى ومواكبة التطورات التكنولوجية عالميا وتسهيل حصول الأعضاء عليها وإتاحة مساحة حرة بهدف التكامل بين أبناء الشعب الواحد بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في ترسيخ مبادئ احترام الآخرين. كما يمكن للاتحاد أن يلعب دورا في عالم التشريع من أجل دعم دور الصحافة الإلكترونية والاعتراف بها كطرف أساسي وهام يشارك في رسم ملامح الحياة في المجتمع والتأصيل لها والتأثير فيها. كما يمكن لهذا الاتحاد عقد الندوات والمؤتمرات التثقيفية التي تناقش هذا النوع من الصحافة والخروج بتوصيات لقوانين ومواثيق من شأنها وضع الضوابط وتحديد المسؤولية عن كل ما ينشر والبت في ذلك أمام المحاكم المختصة. ولعل ما حدث في تلفزيون WTV من وقت قريب بسبب التعليقات اللامسؤولة هو خير مثال على ذلك.
بعد هذا كله نعود ونسأل: هل أصبحت الصحافة الإلكترونية بديلا للصحافة الورقية أم منافس لها؟؟ وملخص الجواب يكمن في حقيقة أن ظهور وسائل إعلام جديدة يؤثر بشكل وآخر على الوسيلة الأسبق، فالإذاعة في البدء سرقت الأضواء من الصحافة المكتوبة. والتلفزيون هيمن على الاثنين والصحافة الالكترونية بدأت تكتسب مساحة لأن عالم تكنولوجيا المعلومات في تطور مضطرد على أن الصحافة الالكترونية والكتاب الالكتروني مازالا في طور التجربة من الناحية الاقتصادية الإنتاجية. ولا يمكن الجزم بأنهما سيسيطران على المستقبل لأن التلفزيون لم يلغي الإذاعة مثلا كما أن الصحافة الالكترونية لن تستطيع إبادة الصحافة المطبوعة. وعلى أية حال فإن الصحافة الالكترونية لن تجب ما قبلها ولكنها جناح إعلامي إضافي قد يحلق في آفاق أكثر رحابة من وسائل الإعلام الأخرى.
مدير مركز الحاسوب-الجامعة الهاشمية
ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، موعد ولادة الصحافة الالكترونية، التي ارتبطت مباشرة بثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات نتيجة التطور التقني وانتشار المعلومات بسرعة فائقة، استطاعت الصحافة الالكترونية أن تعبر القارات وتتخطى الحدود ليصبح المشهد الإعلامي الدولي أكثر انفتاحا وسعة حيث أصبح بمقدور من يشاء الإسهام في إيصال صوته ورأيه لجمهور واسع من القراء دونما تعقيدات الصحافة الورقية وموافقة الناشر في حدود معينة.
وبذلك اتسعت الحريات الصحفية بشكل غير مسبوق وأثبتت الظاهرة الإعلامية الجديدة قدرتها على تخطي الحدود الجغرافية بيسر وسهولة، ليبرز لدينا السؤال المهم، هل من الممكن أن تحل الصحافة الإلكترونية يوما ما بديلا عن الصحافة المطبوعة أم منافسا لها؟ أم هل تشكل الصحافة الإلكترونية رديفا حقيقيا للصحافة المطبوعة المسؤولة أو بديلا حقيقيا لها في المستقبل؟ . كما برز سؤال أكثر أهمية حول نجاح الصحف الالكترونية ومنتدياتها في جذب واستقطاب المتصفحين الذين يضعون فيها آراء وأفكارا حرة غير خاضعة للرقابة لجهة المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذه الآراء والطروحات؟.
وضمن الإطار العام لعنوان الدراسة؟ سنحاول هنا تسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع الهام .
منذ تنامي هذه الظاهرة الإعلامية الجديدة والنقاش جار حول مستقبل المنافسة بين الصحافة المطبوعة والصحافة الالكترونية حيث ذهب البعض إلى الحديث عن تلاشي الصحافة المطبوعة لصالح الصحافة الالكترونية التي تقل كلفتها كثيرا عن الصحافة المطبوعة. ولعل المتفائلين بمستقبل الصحافة الالكترونية إنما ينطلقون من افتراض أن المجتمعات كلها في طريقها إلى استيعاب وسائل تكنولوجيا المعلومات والإعلام وأن كل فرد سيكون حاملا لجهاز حاسوب وفي كل بيت جهاز، وهذا افتراض موضع شك في مجتمعاتنا ويحتاج إلى وقت طويل. كما أن الشريحة المتابعة للصحافة الالكترونية ليست الشريحة المنتجة أو المعلنة بمفهومها الواسع لأنها طبقة - في معظمها - شابة. كما يدعم هذا الاتجاه التجارب الأولية التي واكبت الأزمة المالية العالمية الحالية والتي أدت إلى انهيار صحف مطبوعة وظهور صحف الكترونية قليلة الكلفة. كما توقع خبراء أن يشهد قطاع الصحافة والإعلام تحولا كبيرا خلال الأعوام العشرة المقبلة، وذلك في ظل التطور الكبير الذي سيطرأ على محتواها وطرق طرحها حيث نلاحظ دوليا أن أسهم أسواق الطباعة شهدت انخفاضا ملحوظا في السنوات الأخيرة على الرغم من أن بعض المطبوعات الشهيرة حافظت على ثباتها عبر تقديم حلول تقنية تواكب احتياجات القارئ العصرية، في حين شهدت الصحافة الالكترونية إقبالا كبيرا من مختلف شرائح القراء. ومن المتوقع أن تتساوى عائدات قطاعي الطباعة والانترنت معا بحلول العام 2018 بحسب دراسة أجرتها شركة البرمجيات العملاقة (ميكروسوفت) تقول إن العالم سيشهد طباعة آخر صحيفة ورقية في عام 2018م على الأقل في الدول المتقدمة، لذا فإنه ليس من المبالغة أن نتحدث عن إمكانية حدوث توقعات ميكروسوفت طالما سارت الأمور على وتيرتها الحالية وطالما بقيت الصحافة المطبوعة تعنى بالخبر المحروق بلغة الصحافة قبل طباعته بأربع وعشرين ساعة. ولقد أدركت بعض الصحف المطبوعة هذه الحقيقة مما جعل الكثير منها يلجأ إلى إصدار نسخة الكترونية من الصحيفة بشكل مبكر كما لجأ البعض منها إلى استحداث ما يسمى بالمنابر الالكترونية في محاولة للتعويض عن فارق سرعة الخبر وحرية التعبير التي تتمتع بهما مواقع الصحافة الالكترونية. كما أتاح الموقع الإلكتروني للجريدة التواصل مع القراء بشكل أكبر اذ يوفر للقراء إمكانية قراءة القصص الإخبارية والتعليق عليها، كما يوفر لهم حرية أكبر بالتعامل مع المواد التحريرية. ولعل ما أقدمت عليه صحيفة الرأي الأردنية بإطلاقها منبر الرأي كان خير دليل على ذلك.
في بداية الأمر، كانت الصحافة الإلكترونية عبارة عن مجرد مواقع تحتوي على مقالات وموضوعات وأفكار وأطروحات ورؤى بسيطة وعلى شكل منتديات الحوار التي تتميز بسهولة تحميل برامجها وبساطة تركيبها وقد نجحت هذه المنتديات في جذب واستقطاب المتصفحين الذين يضعون فيها آراء وأفكارا حرة غير خاضعة للرقابة مثلما يحدث في المواقع الكبرى.
ولكن ما الذي يميز الصحف الإلكترونية ويشكل سر نجاحها خاصة في مجتمعاتنا العربية؟ الجواب ينبع من الحرية شبه الكاملة التي يتمتع بها القارئ والكاتب على حد سواء بخلاف الصحافة الورقية التي تكون بالعادة قد تم تعديل مقالاتها من قبل الناشر لأكثر من مرة حتى يكون وفقا لسياسة الصحيفة كما لا يمكن تسجيل أراء القراء وردود أفعالهم مباشرة على تلك المقالات المنشورة. كما تتميز الصحافة الالكترونية بالسرعة في تلقي الأخبار العاجلة وتضمين الصور وأفلام الفيديو مما يدعم مصداقية الخبر وكذلك سرعة وسهولة تداول البيانات على الإنترنت بفارق كبير عن الصحافة الورقية التي يجب انتظارها حتى اليوم التالي. كما توفر مواقع الصحافة الالكترونية فرصة حدوث تفاعل مباشر بين القارئ والكاتب معا من خلال مشاركة مباشرة للقارئ في عملية التحرير عن طريق التعليقات التي توفرها الكثير من الصحف الإلكترونية للقراء بحيث يمكن للمشارك أن يكتب تعليقه على أي مقال أو موضوع ويقوم بالنشر لنفسه في نفس اللحظة. كما ان الكلفة المالية لإصدار صحيفة الكترونية متواضعة مقارنة مع تكاليف الورق والطباعة الذي يثقل ميزانية الصحف الورقية، وأخيرا لا تحتاج الصحف الإلكترونية إلى مقر لجميع العاملين ويمكن إصدار الصحف الإلكترونية بفريق عمل متفرق في أنحاء العالم. ومع ذلك فإنني أرى أن عمر الخبر على الصحافة المكتوبة أطول نسبيا مما هو عليه في الصحافة الالكترونية التي لم تعتمد بعد نظاما أرشيفيا واضحا يسهل للقارئ سهولة العودة للخبر في أي وقت يشاءه.
تواجه الصحافة الإلكترونية العديد من الصعوبات ومن أهمها: صعوبات مادية تتعلق بتمويلها وتسديد مصاريفها، غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام، ندرة الصحفي الإلكتروني المحترف، وكذلك عدم وجود عائد مادي للصحافة الإلكترونية من خلال الإعلانات كما هي الحال في الصحافة الورقية حيث أن المعلن لا يزال يشعر بعدم الثقة في الصحافة الإلكترونية، وأخيرا غياب الأنظمة واللوائح والقوانين الناظمة للصحافة الالكترونية وهو ما نحتاجه ونسعى للحصول عليه.
في الأردن والمنطقة فان تجربة الصحافة الالكترونية مازالت في المهد على أكثر تقدير ومن يدعي رواجها وتحقيقها أرباحا إنما يجافي واقع الإحصاءات والأرقام التي تنشرها الصحف الالكترونية التي خاضت التجربة، حيث إنها لم تحقق أية أرباح ومازال استقطابها للإعلان لا يشكل أكثر من 20 في المئة من كلفتها. وحتى اليوم لا تزال معظم المواقع تعتمد على الأخبار المنشورة في صحف مطبوعة وليس لها مراسلين خاصين. إذن فالأزمة ليست أزمة صحافة مطبوعة بل أزمة صحافة شاملة سواء المطبوع منها أو الالكتروني أو المسموع أو المرئي.
فمن جهة، هناك من يرى أن المقارنة بين الصحافة الورقية والإلكترونية مرفوضة من منطلق أن الصحافة الورقية صحافة بالمعنى العلمي والواقعي للكلمة وأن الصحافة الإلكترونية مجرد وسيلة للنشر وجمع النصوص والمقالات والأخبار والصور وبشكل آلي مجرد من المشاعر والإبداع والفاعلية. أما الطرف الآخر فيرى أن الصحافة الإلكترونية مكملة لدور الصحافة الورقية والمطبوعة وليس هناك صراع بينهما إلا أن التمويل أصبح الآن من آليات نجاح تلك الصحف في شكلها الحديث الذي ينعكس بالتالي على شكل وأداء الموقع من حيث تنوع أخباره وتحديثها.
وقد أثبتت عدة دراسات ومسوحات متعلقة بالصحافة الإلكترونية بعض خصائص قراء الصحف الإلكترونية العربية من حيث إنهم في الغالب ذكور وشباب، حيث أن التحدي الذي جلبته شبكة الإنترنت أظهرت أجيالا جديدة لا تقبل الصحف المطبوعة، وكشفت الدراسات أيضا أن الكثير من القراء يقرون بأنهم يتصفحون الصحف الإلكترونية بشكل يومي، ويعزو هؤلاء سبب رضاهم وإقبالهم على الصحافة الإلكترونية إلى أسباب منها أنها متوفرة طوال اليوم وإمكانية الوصول إليها مباشرة، كما أنها تمكنهم من متابعة الأخبار من أي مكان وعن أي بلد مهما تباعدت مواقعهم. وبالرغم أن كثيرا من القراء عبروا عن عدم رضا عن المحتوى الرسمي لبعض هذه الصحف، إلا أن نسبة كبيرة من القراء أبدوا مستوى معقولا من الرضا عنها. كما بينت الدراسات أبرز التحديات التي تواجه الصحافة العربية على شبكة الإنترنت مثل ضعف عائد السوق، سواء من القراء أو المعلنين، وعدم وجود صحافيين مؤهلين لإدارة تحرير الطبعات الإلكترونية، إضافة إلى المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار الدولية والأجنبية التي أصدرت لها مواقع إلكترونية منافسة باللغة العربية.
عالميا أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أنه وخلال الخمسة أعوام المقبلة أن الغالبية العظمى ستتجه إلى الحصول على الأخبار من المواقع الإلكترونية بدلا من نشرات الأخبار التلفزيونية. وهذا يدل على انه لن يخضع تقييم أي مطبوعة في المستقبل لمستوى جودتها الطباعية بل لغنى وتطور المحتوى مقارنة بالمحتوى الالكتروني. كما أظهرت الدراسات أن الأمريكيين لم يعودوا يشاهدون الأخبار على الشبكات التلفزيونية الكبرى على الرغم من الأحداث المهمة التي استقطبت انتباه الرأي العام مثل اعتداءات 11 سبتمبر 2001 والحرب على العراق. كما تشير الدراسات إلى تراجع الثقة بمصداقية الصحف الأمريكية من 80؟ عام 1985 إلى 49؟. في العام الماضي، وفي المقابل سجل الإقبال على 26 موقعا شعبيا على الانترنت تزايدا بمعدل 80؟ ما بين 2002 و2006. وملخص القول أن الصحافة الورقية في الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو الانحدار في الوقت الذي انتشرت فيه الصحافة الإلكترونية، على العكس من الدول العربية التي مازالت المنافسة الورقية قائمة مع وجود بداية واضحة وقوية للصحافة الإلكترونية. حيث بين المحرر في جريدة الرأي أن الوضع الإعلاني بالنسبة للصحافة المطبوعة لا يزال مستقرا إلى حد ما مقارنة بما وصل إليه الحال في الدول الغربية. وتقوم صحيفة الرأي بتوزيع 120 ألف نسخة شهريا، بينما يصل عدد زوار الموقع الالكتروني للجريدة ما يقارب 4,2 مليون زائر في الشهر الواحد.
ولعل ذلك يعود إلى جملة من الأسباب أهمها، انه هناك تقاسم في سوق القراء والإعلان بين الصحافة الالكترونية والصحافة المطبوعة، وبعكس الصحافة الالكترونية فإن الإنسان القارئ بطبعه يميل إلى احتواء ما يقرأ والورق وحده يتيح لك ذلك ويشعرك بأن ما تقرأ هو خاص بك، وهذا بدوره يقلل من حجم الاشتراكات في وسائل الإعلام الالكترونية، وقد سعت الصحافة المطبوعة إزاء هذا الزحف الالكتروني إلى التوزيع مجانا في كثير من البلدان غير العربية، لكنها لم تستطع إعادة صياغة التحرير الصحافي وإن حاولت.
ولاشك أن الصحف الإلكترونية الأردنية بدأت بالظهور مؤخرا بكثرة حاملة وسام المنافسة والتغطية السريعة ومستوى مقبولا من الشفافية في نقل الأخبار. ولكن في ظل كون تلك المواقع على امتدادات عالمية وليس لها رقيب محلي فان ذلك يشكل خطرا للصحافة المطبوعة أو الورقية في ظل النقل المباشر للأخبار والتغطيات والفعاليات والحرية المفتوحة للتعبير عن الآراء والتفاعل مع الحدث.
وأعتقد أنه مع اضطراد استخدام الانترنت وظهور المزيد من الصحف الالكترونية أو صدور نسخ الكترونية من صحف مطبوعة كرديف لها سيتبلور لاحقا إلى تحول الصحف المطبوعة إلى ما يشبه صحفا تحليلية ورأي ومنوعات وصور.
وعن الجانب القانوني للشفافية والمصداقية للصحف الالكترونية، نلاحظ أن بيئة الانترنت من حيث تكوينها ديمقراطية البناء والمشاركة وتقوم على فكرة حرية اختيار المستخدم لمصدر معلوماته وقدرته على الوصول إلى الآراء والمعلومات، وفي الوقت نفسه على فكرة شفافية المعلومات وإتاحة الفرصة لإبداء الآراء بكل حرية .. وهذه الطبيعة هي التي دفعت مختلف دول العالم المتقدم والنامي لعدم وضع أية قيود على استخدام الانترنت للحد من أية ضوابط قد تتعارض مع هذه الطبيعة. ومن ناحية واقعية ورغم أن غالبية الدول تتبع أشكال مختلفة من الرقابة والتقييد لكنها لا تصرح بمثل هذا الإجراءات بل تخفيها لقناعتها بان هذه الإجراءات المقيدة هي أمر مرفوض من قبل المشرعين وجهات القضاء ومنظمات حقوق الإنسان وجهات الحرية والرأي المختلفة. إلا أن هذا الأمر لا ينفي المسؤولية المهنية لرؤساء التحرير والناشرين للصحف الالكترونية من حيث منع نشر أي مادة صحفية سواء كانت مقالا أم تعليقا إن لم تكن تلك المادة موثقة بالشكل الصحيح كمعرفة اسم صاحبها الحقيقي مثلا وذلك تجنبا للنزول بالمستوى المهني إلى مستوى متدن وخلق حالات من الاحتقانات الاجتماعية التي نحن في غنى عنها. ومن الواضح أن ذلك لا يشغل بال الصحف الالكترونية كثيرا نظرا لان معرفة صاحب التعليق أو الكاتب بضرورة توثيق معلوماته يؤدي حسب اعتقادهم وبالضرورة إلى شح في كم التعليقات وبالتالي الاختفاء من زحمة التنافس وسوق الإثارة الصحفية المرجوة.
أن سقف الحرية الممنوح للقراء والمتصفحين للمواقع الالكترونية عاليا لجهة أن كلا من الكتاب والقراء يستطيع أن يتكلم تحت اسم مستعار أو من وراء ستار مما يخلق جرأة في الكتابة لا حدود لها ولا ضوابط ومن خلال تعليقات يرد أغلبها بأسماء وهمية وتنطوي على اهانات وسخرية وشتائم لا يمكن لإنسان سوي مفكرا كان أو كاتبا أو قارئا أن يستسيغه أو يتحمله. كما نرى أن بعض التعليقات المنشورة قد تتجاوز حد النقد والتعبير عن الرأي إلى حد المساس بهيبة الدولة ومؤسساتها وشخصياتها العامة التي نعتز بها مما يشكل خروجا صارخا عن حدود الحرية المسئولة. ولا يعقل أن حرية إبداء الرأي والتعبير التي يتيحها الإعلام الإلكتروني (التي سقفها السماء كما أرادها جلالة الملك) تصبح منبرا لكل صاحب هوى وأجندة خاصة وجهالة واضحة في الفكر والمعرفة، أن يبث حقده الدفين على مؤسسات الدولة أو أشخاص لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية. وقد تأخذ التعليقات منحى آخر حينما يتحول الحوار إلى إقليمي أو عشائري أو تدعيما لمسئول أو تقربا منه أو تشهيرا بمسئول آخر واتهامه بأنه مقصر أو فاسد طمعا في منفعة شخص آخر وهكذا يصبح الأمر وكأنه حرب شعواء تطال كل شيء حتى أدق أمورك الشخصية.
والغريب انك ترى بعض أصحاب المواقع الالكترونية يستمتعون بذلك شعورا منهم بأن ذلك يزيد في جماهيرية الموقع وبالتالي زيادة المساحة الإعلانية المرجوة. والأغرب من ذلك حينما تعرف أن عدد كبير من التعليقات تعود لشخص واحد ولكن بأسماء متعددة والذي قد ينتمي أيضا لنفس أسرة الموقع الالكتروني. أن هذا الموضوع جد خطير خاصة مع تنامي عدد الصحف الالكترونية وزيادة عدد مرتادي مواقعها مما يشكل ساحة مفتوحة للتنافس على جذب المعلنين حتى لو كان ذلك أحيانا عن طريق الابتزاز أو النقد الجارح أو تصيد الأخطاء في أماكن معروف أنها تستجيب بسهولة وتدفع المطلوب أما خوفا أو طمعا. والحل يكمن بشكل جزئي في ضرورة تسجيل القراء أو أصحاب التعليقات (توثيق البيانات) قبل السماح لهم بوضع تعليقاتهم أو رسائلهم أو حتى مقالاتهم وذلك ليسهل الرجوع إليها عند الضرورة وحتى لا يتجرأ أصحاب الهوى في نشر ما يسيء مختبئين خلف أسمائهم الوهمية.
ومما يزيد من جرعة التجني على المؤسسات والأشخاص من قبل هذه الصحف هو عدم قيام كثير من محرري معظم هذه الصحف الالكترونية أو عدم رغبتهم بوضع ضوابط مهنية حقيقية أو تفعيل رقابة أخلاقية على ما ينشر على مواقعهم مما يكفل تدمير حرية الحوار وخروجه عن القانون خاصة إذا ما كان ذلك معلوما للجميع. ومما يزيد الأمر خطورة هو معرفة الناشرين بضوضائية المسؤولية القانونية عن النشر في المواقع الالكترونية بشكل عام مما يدفعهم إلى إحداث وتبني كل ما من شأنه لفت نظر الجمهور لموقعه وزيادة عدد الزائرين وتفاعلهم مما يشجع المعلنين إلى المسارعة في إرسال إعلاناتهم إلى هذا الموقع أو ذاك وبالتالي تحقيق الهدف المنشود في أجواء أصبحت مشحونة بالتنافس على الإثارة والسبق الصحفي والقدرة على جعل صحيفتك الالكترونية ذات جماهيرية عالية.
في الأردن يجب أن يعكس مدى الاهتمام بالصحافة الإلكترونية حاليا من خلال تأسيس اتحاد أو جمعية للصحافة الإلكترونية - قد يتبع نقابة الصحفيين الأردنيين مثلا- يستهدف الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية والمالية للمؤلفين والدخول كطرف لفض أي نزاع بين الأعضاء وأي أطراف أخرى ومواكبة التطورات التكنولوجية عالميا وتسهيل حصول الأعضاء عليها وإتاحة مساحة حرة بهدف التكامل بين أبناء الشعب الواحد بالإضافة إلى المساهمة الفعالة في ترسيخ مبادئ احترام الآخرين. كما يمكن للاتحاد أن يلعب دورا في عالم التشريع من أجل دعم دور الصحافة الإلكترونية والاعتراف بها كطرف أساسي وهام يشارك في رسم ملامح الحياة في المجتمع والتأصيل لها والتأثير فيها. كما يمكن لهذا الاتحاد عقد الندوات والمؤتمرات التثقيفية التي تناقش هذا النوع من الصحافة والخروج بتوصيات لقوانين ومواثيق من شأنها وضع الضوابط وتحديد المسؤولية عن كل ما ينشر والبت في ذلك أمام المحاكم المختصة. ولعل ما حدث في تلفزيون WTV من وقت قريب بسبب التعليقات اللامسؤولة هو خير مثال على ذلك.
بعد هذا كله نعود ونسأل: هل أصبحت الصحافة الإلكترونية بديلا للصحافة الورقية أم منافس لها؟؟ وملخص الجواب يكمن في حقيقة أن ظهور وسائل إعلام جديدة يؤثر بشكل وآخر على الوسيلة الأسبق، فالإذاعة في البدء سرقت الأضواء من الصحافة المكتوبة. والتلفزيون هيمن على الاثنين والصحافة الالكترونية بدأت تكتسب مساحة لأن عالم تكنولوجيا المعلومات في تطور مضطرد على أن الصحافة الالكترونية والكتاب الالكتروني مازالا في طور التجربة من الناحية الاقتصادية الإنتاجية. ولا يمكن الجزم بأنهما سيسيطران على المستقبل لأن التلفزيون لم يلغي الإذاعة مثلا كما أن الصحافة الالكترونية لن تستطيع إبادة الصحافة المطبوعة. وعلى أية حال فإن الصحافة الالكترونية لن تجب ما قبلها ولكنها جناح إعلامي إضافي قد يحلق في آفاق أكثر رحابة من وسائل الإعلام الأخرى.
مدير مركز الحاسوب-الجامعة الهاشمية