تطور مقاربات الجمهور
في هذا الصدد، يمكن تمييز التوجهات الحديثة الكبرى لأبحاث الجمهور التي تبلورت منذ السبعينيات ضمن نوعين من التيارات البحثية، النوع الأول الذي يمكن أن نطلق عليه: أنموذج التأثير ، الذي أحدث قطيعة مع الأنموذج السائدة منذ الأربعينيات، حيث تخلى عن تحليل التأثير قصير المدى ، حجر الزاوية في نظرية لازارسفيلد ليهتم بالتأثير الإدراكي (COGNITIVE)على المدى البعيد لمجموع أنظمة وسائل الإعلام (مؤسسات اجتماعية)، خاصة الأبحاث المتعلقة بتكوين الرأي العام.
وظهر النوع الثاني الذي يمكن أن نسميه أنموذج التلقي، في بداية الثمانينات ليهتم بالكيفية التي "يؤول بها الملتقى الرسائل الإعلامية" أي التركيز على عملية التلقي في حد ذاتها باعتبارها ممارسة لها أسسها اجتماعيا وثقافيا ، وباعتبارها عملية بناء اجتماعي للمعاني التي يضيفها المتلقي على الرسائل الإعلامية
1.أنــــــمــوذج الـــتأثــيــر:Effect paradigms
ويشمل هذا الصنف عموما، مجموعة النظريات والمقاربات التي تناولت التأثير البالغ والمباشر والتأثير المحدود الفوري الطويل المدى ثم المزيد من التأثير.
وهي تهتم بالتغير أو التحول الذي قد يلاحظ في سلوكيات الجمهور ومواقفه وحالاته الانفعالية الذهنية الإدراكية والمعرفية أثناء وبعد التعرض لوسائل الإعلام وعلاقة هذا التغيير مقارنة بالوضع السابق للتعرض.
وتوصف هذه النماذج بكونها تشاؤمية لنظرتها السلبية لقدرة الجمهور على مقاومة القوة الخارقة لوسائل الإعلام التي تحدث تأثيرا في اتجاه خطي شاقولي.
ونشير هنا إلى نموذج القوى البالغة لوسائل الإعلام (power ful media) ، ونموذج الوخز الإبري (hypodermie paradigm) والقذيفة السحرية .
وفي المرحلة اللاحقة ظهرت نظرية أقل تشاؤما مثل تأثير وسائل الإعلام غير المباشر عبر قادة الرأي أو التدفق الإعلامي عبر خطوتين والتدفق عبر خطوة واحدة ثمة التدفق عبر خطوات متعددة ، ثم العودة إلى مزيد من التأثير المعمم على عدد متزايد من الناس مع تزايد الأزمات، والتوترات وتزايد تحكم وسائل الاتصال الحديثة في النشر الآتي للمعلومات عبر وسائل أقل تكلفة وأقل جهدا وسهلة الولوج إليها وأكثر قابلية للاستعمال، إذ تعتبر أسرع تكيفا مع حاجيات الناس المتمايزة وأكثر جاذبية وفي متناول جماعة من الناس غير محدودة عدديا .
فبالرغم من اتساع اعتقاد أن هذا الصنف له قدرة في إحداث تأثير إلا أنه فقد العديد من النماذج خاصة الأنموذجين التقليدين الأولين: القوى الخفية والقذيفة السحرية، الذين سادا في البدايات في محاولات تفسير إقبال الناس على مشاهدة الفيلم الجذاب أو قراءة القصة المشوقة .
كما كاد يختفي أنموذج الإعلام اللانهائي الذي يزعم أن لوسائل الإعلام دور كبير وفعال في حث الناس وتهيئتهم للانطلاقة (tamauff) الإنمانية لمجتمعاتهم ، وانتقالها من الحالة التقليدية إلى الحداثة.
وهناك نماذج لم يعد لها أهمية مثل أنموذج الامبربالية الثقافية ، والغزو الثقافي الذي ازدهر خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي ، وهناك نماذج أخرى تتجدد تبعا للمستحدثات التكنولوجية وتلح على البقاء والاستمرار لارتباطها بتيارات الإيديولوجية مثل : نموذج الاستعمال والإشباع (use and grati ficatior) ونموذج تحديد مواضيع الاهتمام ونموذج لولب الصمت.
2.أنموذج التلقي: Reception paradigms
يقصد بها النظرية العامة والنظرات الفرعية والمقاربات التي حولت محور الدراسة من محتوى الرسالة وعلاقاته بالتأثير الذي قد يحدث في سلوك الجمهور أي علاقة الرسالة بالتأثير الناجم عن محاولة الإجابة عن التساؤل الأولي ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور.
في نموذج لازويل التركيز على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور الانتقائي القوي والفعال الذي أعيد له الاعتبار نتيجة تغيير إستراتيجية البحث إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟.
وأحدثت هذه المقاربة إشكالية جديدة بأنموذج الاستعمال والإشباع لـ: كاتز وأنموذج التفاعل والتأويلات لـ: مورلي نقل نوعية في أبحاث الجمهور إذ أصبح التركيز على العلاقة بين الرسالة والمتلقي .
وتعتبر هذه النظرية امتدادا لنظرية التأثير والتقبل الألمانية التي ظهرت في أوساط الستينيات من القرن الماضي موازاة مع التيارات الماركيسية والواقعية الجدلية والمناهج البيوغرافية التي تركز اهتماماتها على المبدع حياته ظروفه أو القائم بالاتصال أو المرسل .
كما جاءت موازية للتيارات النقدية التقليدية التي كان ينصب اهتمامها على المعنى وكذا التيارات البنيوية دون مراعاة القارئ.
وترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية التواصل الأدبي هي تلك المشاركة الفعالة بين المشارك والقارئ أي الفهم الحقيقي للأدب ينطلق من وضع القارئ في مكانه الحقيقي وإعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه لأن المؤلف ما هو إلا قارئ للأعمال السابقة.
ويركز المنظرون الإعلاميون على الدور الذي يلعبه الجمهور في فك رموز الرسائل وإضفاء معاني عليها أي المعنى الذي يقصده القائم بالاتصال .
وتعتبر نظرية التلقي واحدة من أبرز النظريات المعاصرة التي أعادت الاعتبار لفعل التلقي كأساس لعملية تواصلية من المرسل والمستقبل إذ تهتم بتفسير آليات فهم النصوص والصور الإعلامية فالمعنى يولد لدى المشاهد والنص .
ويرى أصحاب هذه النظرية أن العوامل السياقية لها تأثير أكثر من العوامل النصية على الطريقة التي يشاهد بها المتلقي الفلم أو البرنامج التلفزيوني.
يعتقد الباحث مخلوف بوكروح أن الفضاء الأكثر ملائمة لدراسة عملية تلقي الرسالة هو المسرح إذ فيه تتجلى استجابة الجمهور بصورة مباشرة .
يحلل الباحثون الثقافيون الثقافة الجماهيرية على أنها تعبير عن العلاقات بين الأفراد والطبقات الاجتماعية في السياق الاجتماعي والسياسي الخاص بالمجتمعات الرأسمالية وينظرون لوسائل الإعلام كجزء لا يتجزأ من نظام التفاعلات الرمزية.
يساهم في انتاج فضاء رمزي أكثر مما هي أدوات في خدمة طبقة مهيمنة، وهنا يلتقي منظور الدراسات الثقافية مع منظور الاستعمال والإشباع في القول " أنّ الناس هم الذين يفعلون شيئا بوسائل الإعلام وليس العكس".
ولفهم تأويل مشاهدة معين لمنتوج تلفزيوني ما، يلجأ الباحثون لمنظور أكثر نفعية حيث يستعملون بكثافة المناهج الأنثوغرافية لجمع المعطيات: الاستجوابات العميقة والملاحظة المباشرة والملاحظة بالمشاركة.
ويرجع الفضل في تطوير المنهج الأنثروبولولجي في دراسات الاتصال الجماهيري عامة، و دراسات الجمهور بصفة خاصة إلى تيار الأبحاث المتعلقة بالأسر والتكنولوجيات الحديثة المتولدة عن الاستعمال العائلي التنامي للمبتكرات التكنولوجية الجديدة (التلفزيون، مسجل، قارئ الفيديو، الحاسوب)، إذ يركز على تحليل البرامج الإعلامية العامة والمجالات السياسية. وقد طرحت تساؤلات في هذا السياق حول الحصص المسماة الاتصال السياسي الموجه لجمهور عريض غير منسجم قبل أن تشمل جميع الأنواع المسماة شعبية(رياضية، منوعات، أوبرات...).كما طرحت القضايا المتعلقة بالعينة التمثيلية مثل النوع (ذكر. أنثى) و الانتماء الطبقي. وكان هدف هذا التيار الوصول إلى مؤشرات تأويل الجمهور للرسائل الإعلامية انطلاقا من متغيرات النوع والانتماء الطبقي الاجتماعي.
إذ أظهرت هذه الدراسة درجات التعقيد وأنماط فك الرموز واستحالة فهم القراءات الممكنة انطلاقا من الانتماء الطبقي الاجتماعي وحده.
وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات منها:
إهمالها لإمكانية التقاطع بين مدونات المتلقين من مختلف الطبقات الاجتماعية
إهمال التفاعل الاجتماعي بين الأبحاث المتعلقة بالثقافة الشعبية المركزة أكثر بالترفيه والتسلية فمن هنا فإن مختلف القياسات مفهوم معنى لم تكن لتسير عملية التنظيم للعلاقة بين النص والجمهور وتوضيح مضامينها .
لقد بدأ الاهتمام ينصب حول الاستعمالات الأثرية في منتصف الثمانينات حيث كان قد تم الاعتراف للمتلقي بدور فعّال في بناء معاني الرسائل الإعلامية و بأهمية السيّاقة الذي تتم فيه عملية التلقى حيث استبدل مفهوم " فك الترميز" بمفهوم " سياق " وتحول مركز الاهتمام إلى عملية "المشاهدة" وفهم هذا النشاط بحد ذاته.
وقد اهتم مورلي في هذه الدراسة التي استعمل فيها المنهج الأنثوغرافي بالتفاعلات بين مختلف أفراد العائلة أمام الشاشة الصغيرة و قد اهتم بالاختلافات بين عائلة ما و أخرى وبين أفراد العائلة الواحدة من جهة ثانية مركزا على علاقة السلطة بين الجنسين و بين البالغين و القصر دون إهمال إطار التحليل وبنية الجمهور من منظور الانتماء الطبقي والتربية الإيديولوجية التي تحدد السياق الإجتماعي و الثقافي الذي تحلل فيه تركيبة الجمهور و واقعه وأنماط تفاعله.
تميز التطور الأولي لأنموذج التلقي بانتقال اهتمامات البحث من قضايا الإيديولوجية و تحليل الرسائل المتلفزة من خلال التساؤلات حول البنية الطبقية وعملية فك الرموز إلى التمايز في ممارسة المشاهدة من منظور النوع داخل العائلة.
وهكذا أثارت مسألة فضول العديد من الباحثين الذين اهتموا كل حسب الأنموذج الذي ينطلق منه وحسب طبيعة أهداف البحث لمختلف جوانب عملية التلقي سواء تعلق بالمتلقي أو بالنص أو بطبيعة العلاقة بينهما أو بالتأويل (فك الرموز).
3.مؤشرات أنموذج جديد:
تستمد المفاهيم الجديدة المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام وسلوكياته وأبحاثه ومقوماتها أساسا من الأدبيات التي أوجدتها تيارات ما بعد الحداثة ابتداء من القرن العشرين، ومن الأجواء التي خلقتها تكنولوجيات الإعلام والاتصال المستجدة في المحيط الاتصالي المتحرك.
إن مفهوم ما بعد الحداثة(post-modernitsm) تكثف استعماله منذ العقد الثامن للقرن العشرين، للدلالة على تشكيلة واسعة من التغيير في أنماط التفكير، مشيرا على العموم إلى التيارات النقدية للحقائق المطلقة والهويات ، في الفلسفة ،الفن الموسيقي ، الهندسة المعمارية ، الأدب ،الشعر، التاريخ في هذه المجالات بالذات مواقف إيديولوجية أكثر من كونه يعبر عن حقبة زمنية في تاريخ الحضارة الإنسانية ، كما يشير إلى البعد التكنولوجي .
قد شاع استعمال مصطلح ما بعد الحداثة بعد دخوله ، أولا المجال الفلسفي سنة 1979 جون فرانسوا ليوطار ، الذي نشر "شرط ما بعد الحداثة".
وقد تتجلى أفكار ما بعد الحداثة في جوانب التلقي المختلفة وفي نشر المستحدثات.ومن خلال دراسة ابستمولوجية للباحث "جاب نيكولا يزن" والنقاشات التي كانت قد حامت من قبل حول العناصر الأكثر تداولا في أبحاث الجمهور على يد كل من مورلي ، كاران ، فيسك و سلاتير ، وغيرهم .
1.مفهوم السياق المنزلي (domestic context)
تعتبر الاتجاهات المشاهدة التلفزيونية كنشاط يومي معقد يجرى في السياق المنزلي ويمارس أساسا ضمن العائلة فالتلفزة تستقبل في سياق بالغ التعقيد والقوة غير أن الطابع السياقي للتلقي يطرح تساؤلات مؤرقة حول الكيفية التي تستعمل بها التلفزة في المنزل وحول سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة باختيار القنوات التلفزيونية والبرامج التي تشاهد في هذا الوسط الأسري
تسعى أبحاث التلقي الحديثة من خلال محاولة الإجابة على مثل هذه الإشكاليات وينبغي أن يأخذ نموذج الاتصال المنزلي بعين الاعتبار أوجه التشابه والتمايز بين الأسر وفهم مكانة هذه الفروق والتماثل في فضاء الثقافة والمجتمع الواسع لأخذ قضايا الانتماء الطبقي الاثني والابديولوجي والسلطة والجوانب المادية لعالم الحياة اليومية ..لم يبقى مفهوم الجمهور العددي أي الذين يتابعون البرامج والحصص وما أصبح ينظر إلى المتلقي كعضو ديناميكي ممارس لنشاط اتصالي راتب في الحياة اليومية للأسرة (الجماعة).
كما يركز تحليل السياق المنزلي على بحث الكيفية التي يتم بها إدماج التكنولوجيات حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من الديناميكية الداخلية و تنظيم الفضاء المنزلي.
2.مفهوم التكنولوجيات المنزلية: (domestic technologies)
على الرغم من الاستعمالات التكنولوجية المنزلية قد انطلقت منذ حوالي ربع قرن من الزمن و رغم التطور الهائل في هذه التكنولوجيات فان فهم مكانة التلفزيون في المجتمع المعاصر لا زالت تشكل قضية هامة ضمن إطار الأبحاث الحديثة إذ تنظر إلى هذه الأبحاث كوسيلة إعلام منزلية أساسا فالتلفزيون يعتبر على الصعيدين المنزلي و الوطني الخاص و العمومي عاملا فاعلا في ثقافة الاستهلاك و في الثقافة التقنية و بهذا تصبح دلالة التلفزيون و كل التكنولوجيات المنزلية تضم في نفس الوقت دلالات النصوص و دلالات التكنولوجيات و ينبغي أن تفهم كخصائص مستحدثة لممارسات الجمهور و من هنا تصبح تكنولوجيات الإعلام و الاتصال نظاما تقنيا و ماديا و اجتماعيا و ثقافيا يشمل قواعد واستعمالات و علاقات.
3.الديناميكية العائلية: (family dynamisme)
أدخل هذا المفهوم تعديلا هاما على مفهوم الجمهور بعدما كان مجرد فرد مشاهد أصبح عضوا في الجماعة المشاهدة أي المشاهدة الجماعية بدلا من الفردية (الديناميكية العائلية).
و يعتقد "ميك أندروود" أن مراجعة الإجراءات المنهجية لدراسات الجمهور حولت فهمنا و بالتالي نظرتنا للجمهور الذي اعتبرته الدراسات و الأبحاث الأولية مجرد أفراد متأثرين بالقوة البالغة للرسائل الإعلامية قارئين للنصوص و مؤولين للصور التي تخلقها و توزعها وسائل الإعلام. و هذا ما مكن "جيمس كارن" 1997 من كتابة تاريخ دراسات التلقي و يعيب على "مورلي" و "فيسك" و "سارطو" إفراطهم في الاعتماد على مذهب "المراجعة" الجديدة .
إن طرح إشكالية الديناميكية العائلية بهذه الكيفية يسمح بوضع إطار للتفكير في دراسة العلاقات الاجتماعية من خلال استعمال التكنولوجيات المنزلية الحديثة يتم في إطار العلاقات الاجتماعية و مختلف الديناميكيات الداخلية للأسرة مع اختلاف السن ، النوع، الجنس و اختلاف التأويلات و الدلالات و الرموز التي تحملها الرسائل الإعلامية و الاستجابة لمضامينها.
إذن، تمكن دراسة الديناميكية العائلية من تحليل المشاهدة و الاستعمال الفردي في إطار العلاقات العائلية خلال التفاعلات التي تحدث داخلها و هذا ما يحدد العوامل الحاسمة في ممارسة المشاهدة ، السلطة ، المسؤولية.
جيل ثالث من دراسات التلقي:
شهدت دراسات الجمهور تطورا أسماه "مورلي" الجيل الثالث من دراسات التلقي في سياق إعادة التفكير في جمهور وسائل الإعلام.
إن هذا الجيل الجديد الذي لم ترتسم معالمه النهائية بعد و لكن يمكن ملامسته من خلال العديد من الظواهر و المفاهيم المرتبطة بها.
فعلى الصعيد التكنولوجي اتسع انتشار الواب و تغلغله في جميع نواحي الحياة و اجتياح العولمة الإعلامية و تعميم أنظمة الاتصال الرقمية التي غيرت جذريا علاقات التبعية بين المرسل و المتلقي.
و على الصعيد الاقتصادي أعاد نهوض البلدان "النمور الآسيوية" في نهاية القرن الماضي و النمو الاقتصادي المذهل إمكانية محافظة شعوبها لثقافاتها و حضاراتها و مسايرة الدول المحتكرة للاقتصاد.
أما الأحداث السياسية الأكثر انعكاسا على عملية إعادة التفكير في أنماط التفاعلات الممكنة بين التدفق الإعلامي المعولم و المتلقين من مختلف الانتماءات الثقافية و العرقية و الاثنية و كذا الحرب على الإرهاب التي طرحت التخلي على المبادئ التي وجدت بعد ح ع 2 مثل حقوق الإنسان بما فيها حق الإعلام و حق الاختلاف.
لقد أصبحت بعض مظاهر هذا الجيل الثالث من دراسات التلقي الذي يرتكز على منظور المنهج الاثنوغرافي واضحة و لكنها غير دقيقة تحتاج إلى أبحاث واسعة و بفضل تطور أبحاث الجمهور اكتسب منظور جديد من جهة و انعكاسات تكنولوجيات الاتصال و الإعلام عنصر الوجود اللامادي و اللامحدودية في الزمن و المكان للجمهور و الذي يطلق عليه " ما بعد الجمهور".
إن الرقمية لم تمنح حرية الاختيار المطلق للمتلقي و حسب و لكنها قضت على العديد من القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية على الجمهور من قبل عرض نسخ من خدماتها عبر مواقع الانترنت و قبل إنشاء وسائل إعلام جماهيرية الكترونية e-media.
سيوفر نظام الاتصال الرقمي بعد تعميمه و جمهرته في عمليات الاتصال المحلية و الإقليمية و الدولية و خاصة تلفزيونات الانترنت و توسع شبكتها سيوفر لجمهور المتلقين خيارات عديدة و منها القدرة على التجوال بين الزوايا المختلفة و الأزمنة المختلفة لتلقي تفاصيل الحدث أو العمل الدرامي مثل الرجوع إلى لقطة معينة و الرجوع إلى الخلف و التقدم للأمام و وغيرها مما يدل على سيادة المتلقي في اتخاذ القرارات.
و قد أضافت هذه الحرية في الاختيار التي يكتسبها الجمهور باستمرار الجمهور سمات أخرى مثل سمة التفاعلية و اللاتزامنية
.
[b]
منقووووول
في هذا الصدد، يمكن تمييز التوجهات الحديثة الكبرى لأبحاث الجمهور التي تبلورت منذ السبعينيات ضمن نوعين من التيارات البحثية، النوع الأول الذي يمكن أن نطلق عليه: أنموذج التأثير ، الذي أحدث قطيعة مع الأنموذج السائدة منذ الأربعينيات، حيث تخلى عن تحليل التأثير قصير المدى ، حجر الزاوية في نظرية لازارسفيلد ليهتم بالتأثير الإدراكي (COGNITIVE)على المدى البعيد لمجموع أنظمة وسائل الإعلام (مؤسسات اجتماعية)، خاصة الأبحاث المتعلقة بتكوين الرأي العام.
وظهر النوع الثاني الذي يمكن أن نسميه أنموذج التلقي، في بداية الثمانينات ليهتم بالكيفية التي "يؤول بها الملتقى الرسائل الإعلامية" أي التركيز على عملية التلقي في حد ذاتها باعتبارها ممارسة لها أسسها اجتماعيا وثقافيا ، وباعتبارها عملية بناء اجتماعي للمعاني التي يضيفها المتلقي على الرسائل الإعلامية
1.أنــــــمــوذج الـــتأثــيــر:Effect paradigms
ويشمل هذا الصنف عموما، مجموعة النظريات والمقاربات التي تناولت التأثير البالغ والمباشر والتأثير المحدود الفوري الطويل المدى ثم المزيد من التأثير.
وهي تهتم بالتغير أو التحول الذي قد يلاحظ في سلوكيات الجمهور ومواقفه وحالاته الانفعالية الذهنية الإدراكية والمعرفية أثناء وبعد التعرض لوسائل الإعلام وعلاقة هذا التغيير مقارنة بالوضع السابق للتعرض.
وتوصف هذه النماذج بكونها تشاؤمية لنظرتها السلبية لقدرة الجمهور على مقاومة القوة الخارقة لوسائل الإعلام التي تحدث تأثيرا في اتجاه خطي شاقولي.
ونشير هنا إلى نموذج القوى البالغة لوسائل الإعلام (power ful media) ، ونموذج الوخز الإبري (hypodermie paradigm) والقذيفة السحرية .
وفي المرحلة اللاحقة ظهرت نظرية أقل تشاؤما مثل تأثير وسائل الإعلام غير المباشر عبر قادة الرأي أو التدفق الإعلامي عبر خطوتين والتدفق عبر خطوة واحدة ثمة التدفق عبر خطوات متعددة ، ثم العودة إلى مزيد من التأثير المعمم على عدد متزايد من الناس مع تزايد الأزمات، والتوترات وتزايد تحكم وسائل الاتصال الحديثة في النشر الآتي للمعلومات عبر وسائل أقل تكلفة وأقل جهدا وسهلة الولوج إليها وأكثر قابلية للاستعمال، إذ تعتبر أسرع تكيفا مع حاجيات الناس المتمايزة وأكثر جاذبية وفي متناول جماعة من الناس غير محدودة عدديا .
فبالرغم من اتساع اعتقاد أن هذا الصنف له قدرة في إحداث تأثير إلا أنه فقد العديد من النماذج خاصة الأنموذجين التقليدين الأولين: القوى الخفية والقذيفة السحرية، الذين سادا في البدايات في محاولات تفسير إقبال الناس على مشاهدة الفيلم الجذاب أو قراءة القصة المشوقة .
كما كاد يختفي أنموذج الإعلام اللانهائي الذي يزعم أن لوسائل الإعلام دور كبير وفعال في حث الناس وتهيئتهم للانطلاقة (tamauff) الإنمانية لمجتمعاتهم ، وانتقالها من الحالة التقليدية إلى الحداثة.
وهناك نماذج لم يعد لها أهمية مثل أنموذج الامبربالية الثقافية ، والغزو الثقافي الذي ازدهر خلال العقدين السادس والسابع من القرن الماضي ، وهناك نماذج أخرى تتجدد تبعا للمستحدثات التكنولوجية وتلح على البقاء والاستمرار لارتباطها بتيارات الإيديولوجية مثل : نموذج الاستعمال والإشباع (use and grati ficatior) ونموذج تحديد مواضيع الاهتمام ونموذج لولب الصمت.
2.أنموذج التلقي: Reception paradigms
يقصد بها النظرية العامة والنظرات الفرعية والمقاربات التي حولت محور الدراسة من محتوى الرسالة وعلاقاته بالتأثير الذي قد يحدث في سلوك الجمهور أي علاقة الرسالة بالتأثير الناجم عن محاولة الإجابة عن التساؤل الأولي ماذا تفعل وسائل الإعلام في الجمهور.
في نموذج لازويل التركيز على مصير الرسالة بعدما يتلقاها الجمهور الانتقائي القوي والفعال الذي أعيد له الاعتبار نتيجة تغيير إستراتيجية البحث إلى ماذا يفعل الجمهور بوسائل الإعلام؟.
وأحدثت هذه المقاربة إشكالية جديدة بأنموذج الاستعمال والإشباع لـ: كاتز وأنموذج التفاعل والتأويلات لـ: مورلي نقل نوعية في أبحاث الجمهور إذ أصبح التركيز على العلاقة بين الرسالة والمتلقي .
وتعتبر هذه النظرية امتدادا لنظرية التأثير والتقبل الألمانية التي ظهرت في أوساط الستينيات من القرن الماضي موازاة مع التيارات الماركيسية والواقعية الجدلية والمناهج البيوغرافية التي تركز اهتماماتها على المبدع حياته ظروفه أو القائم بالاتصال أو المرسل .
كما جاءت موازية للتيارات النقدية التقليدية التي كان ينصب اهتمامها على المعنى وكذا التيارات البنيوية دون مراعاة القارئ.
وترى نظرية التلقي أن أهم شيء في عملية التواصل الأدبي هي تلك المشاركة الفعالة بين المشارك والقارئ أي الفهم الحقيقي للأدب ينطلق من وضع القارئ في مكانه الحقيقي وإعادة الاعتبار له باعتباره هو المرسل إليه والمستقبل للنص ومستهلكه لأن المؤلف ما هو إلا قارئ للأعمال السابقة.
ويركز المنظرون الإعلاميون على الدور الذي يلعبه الجمهور في فك رموز الرسائل وإضفاء معاني عليها أي المعنى الذي يقصده القائم بالاتصال .
وتعتبر نظرية التلقي واحدة من أبرز النظريات المعاصرة التي أعادت الاعتبار لفعل التلقي كأساس لعملية تواصلية من المرسل والمستقبل إذ تهتم بتفسير آليات فهم النصوص والصور الإعلامية فالمعنى يولد لدى المشاهد والنص .
ويرى أصحاب هذه النظرية أن العوامل السياقية لها تأثير أكثر من العوامل النصية على الطريقة التي يشاهد بها المتلقي الفلم أو البرنامج التلفزيوني.
يعتقد الباحث مخلوف بوكروح أن الفضاء الأكثر ملائمة لدراسة عملية تلقي الرسالة هو المسرح إذ فيه تتجلى استجابة الجمهور بصورة مباشرة .
يحلل الباحثون الثقافيون الثقافة الجماهيرية على أنها تعبير عن العلاقات بين الأفراد والطبقات الاجتماعية في السياق الاجتماعي والسياسي الخاص بالمجتمعات الرأسمالية وينظرون لوسائل الإعلام كجزء لا يتجزأ من نظام التفاعلات الرمزية.
يساهم في انتاج فضاء رمزي أكثر مما هي أدوات في خدمة طبقة مهيمنة، وهنا يلتقي منظور الدراسات الثقافية مع منظور الاستعمال والإشباع في القول " أنّ الناس هم الذين يفعلون شيئا بوسائل الإعلام وليس العكس".
ولفهم تأويل مشاهدة معين لمنتوج تلفزيوني ما، يلجأ الباحثون لمنظور أكثر نفعية حيث يستعملون بكثافة المناهج الأنثوغرافية لجمع المعطيات: الاستجوابات العميقة والملاحظة المباشرة والملاحظة بالمشاركة.
ويرجع الفضل في تطوير المنهج الأنثروبولولجي في دراسات الاتصال الجماهيري عامة، و دراسات الجمهور بصفة خاصة إلى تيار الأبحاث المتعلقة بالأسر والتكنولوجيات الحديثة المتولدة عن الاستعمال العائلي التنامي للمبتكرات التكنولوجية الجديدة (التلفزيون، مسجل، قارئ الفيديو، الحاسوب)، إذ يركز على تحليل البرامج الإعلامية العامة والمجالات السياسية. وقد طرحت تساؤلات في هذا السياق حول الحصص المسماة الاتصال السياسي الموجه لجمهور عريض غير منسجم قبل أن تشمل جميع الأنواع المسماة شعبية(رياضية، منوعات، أوبرات...).كما طرحت القضايا المتعلقة بالعينة التمثيلية مثل النوع (ذكر. أنثى) و الانتماء الطبقي. وكان هدف هذا التيار الوصول إلى مؤشرات تأويل الجمهور للرسائل الإعلامية انطلاقا من متغيرات النوع والانتماء الطبقي الاجتماعي.
إذ أظهرت هذه الدراسة درجات التعقيد وأنماط فك الرموز واستحالة فهم القراءات الممكنة انطلاقا من الانتماء الطبقي الاجتماعي وحده.
وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات منها:
إهمالها لإمكانية التقاطع بين مدونات المتلقين من مختلف الطبقات الاجتماعية
إهمال التفاعل الاجتماعي بين الأبحاث المتعلقة بالثقافة الشعبية المركزة أكثر بالترفيه والتسلية فمن هنا فإن مختلف القياسات مفهوم معنى لم تكن لتسير عملية التنظيم للعلاقة بين النص والجمهور وتوضيح مضامينها .
لقد بدأ الاهتمام ينصب حول الاستعمالات الأثرية في منتصف الثمانينات حيث كان قد تم الاعتراف للمتلقي بدور فعّال في بناء معاني الرسائل الإعلامية و بأهمية السيّاقة الذي تتم فيه عملية التلقى حيث استبدل مفهوم " فك الترميز" بمفهوم " سياق " وتحول مركز الاهتمام إلى عملية "المشاهدة" وفهم هذا النشاط بحد ذاته.
وقد اهتم مورلي في هذه الدراسة التي استعمل فيها المنهج الأنثوغرافي بالتفاعلات بين مختلف أفراد العائلة أمام الشاشة الصغيرة و قد اهتم بالاختلافات بين عائلة ما و أخرى وبين أفراد العائلة الواحدة من جهة ثانية مركزا على علاقة السلطة بين الجنسين و بين البالغين و القصر دون إهمال إطار التحليل وبنية الجمهور من منظور الانتماء الطبقي والتربية الإيديولوجية التي تحدد السياق الإجتماعي و الثقافي الذي تحلل فيه تركيبة الجمهور و واقعه وأنماط تفاعله.
تميز التطور الأولي لأنموذج التلقي بانتقال اهتمامات البحث من قضايا الإيديولوجية و تحليل الرسائل المتلفزة من خلال التساؤلات حول البنية الطبقية وعملية فك الرموز إلى التمايز في ممارسة المشاهدة من منظور النوع داخل العائلة.
وهكذا أثارت مسألة فضول العديد من الباحثين الذين اهتموا كل حسب الأنموذج الذي ينطلق منه وحسب طبيعة أهداف البحث لمختلف جوانب عملية التلقي سواء تعلق بالمتلقي أو بالنص أو بطبيعة العلاقة بينهما أو بالتأويل (فك الرموز).
3.مؤشرات أنموذج جديد:
تستمد المفاهيم الجديدة المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام وسلوكياته وأبحاثه ومقوماتها أساسا من الأدبيات التي أوجدتها تيارات ما بعد الحداثة ابتداء من القرن العشرين، ومن الأجواء التي خلقتها تكنولوجيات الإعلام والاتصال المستجدة في المحيط الاتصالي المتحرك.
إن مفهوم ما بعد الحداثة(post-modernitsm) تكثف استعماله منذ العقد الثامن للقرن العشرين، للدلالة على تشكيلة واسعة من التغيير في أنماط التفكير، مشيرا على العموم إلى التيارات النقدية للحقائق المطلقة والهويات ، في الفلسفة ،الفن الموسيقي ، الهندسة المعمارية ، الأدب ،الشعر، التاريخ في هذه المجالات بالذات مواقف إيديولوجية أكثر من كونه يعبر عن حقبة زمنية في تاريخ الحضارة الإنسانية ، كما يشير إلى البعد التكنولوجي .
قد شاع استعمال مصطلح ما بعد الحداثة بعد دخوله ، أولا المجال الفلسفي سنة 1979 جون فرانسوا ليوطار ، الذي نشر "شرط ما بعد الحداثة".
وقد تتجلى أفكار ما بعد الحداثة في جوانب التلقي المختلفة وفي نشر المستحدثات.ومن خلال دراسة ابستمولوجية للباحث "جاب نيكولا يزن" والنقاشات التي كانت قد حامت من قبل حول العناصر الأكثر تداولا في أبحاث الجمهور على يد كل من مورلي ، كاران ، فيسك و سلاتير ، وغيرهم .
1.مفهوم السياق المنزلي (domestic context)
تعتبر الاتجاهات المشاهدة التلفزيونية كنشاط يومي معقد يجرى في السياق المنزلي ويمارس أساسا ضمن العائلة فالتلفزة تستقبل في سياق بالغ التعقيد والقوة غير أن الطابع السياقي للتلقي يطرح تساؤلات مؤرقة حول الكيفية التي تستعمل بها التلفزة في المنزل وحول سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة باختيار القنوات التلفزيونية والبرامج التي تشاهد في هذا الوسط الأسري
تسعى أبحاث التلقي الحديثة من خلال محاولة الإجابة على مثل هذه الإشكاليات وينبغي أن يأخذ نموذج الاتصال المنزلي بعين الاعتبار أوجه التشابه والتمايز بين الأسر وفهم مكانة هذه الفروق والتماثل في فضاء الثقافة والمجتمع الواسع لأخذ قضايا الانتماء الطبقي الاثني والابديولوجي والسلطة والجوانب المادية لعالم الحياة اليومية ..لم يبقى مفهوم الجمهور العددي أي الذين يتابعون البرامج والحصص وما أصبح ينظر إلى المتلقي كعضو ديناميكي ممارس لنشاط اتصالي راتب في الحياة اليومية للأسرة (الجماعة).
كما يركز تحليل السياق المنزلي على بحث الكيفية التي يتم بها إدماج التكنولوجيات حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من الديناميكية الداخلية و تنظيم الفضاء المنزلي.
2.مفهوم التكنولوجيات المنزلية: (domestic technologies)
على الرغم من الاستعمالات التكنولوجية المنزلية قد انطلقت منذ حوالي ربع قرن من الزمن و رغم التطور الهائل في هذه التكنولوجيات فان فهم مكانة التلفزيون في المجتمع المعاصر لا زالت تشكل قضية هامة ضمن إطار الأبحاث الحديثة إذ تنظر إلى هذه الأبحاث كوسيلة إعلام منزلية أساسا فالتلفزيون يعتبر على الصعيدين المنزلي و الوطني الخاص و العمومي عاملا فاعلا في ثقافة الاستهلاك و في الثقافة التقنية و بهذا تصبح دلالة التلفزيون و كل التكنولوجيات المنزلية تضم في نفس الوقت دلالات النصوص و دلالات التكنولوجيات و ينبغي أن تفهم كخصائص مستحدثة لممارسات الجمهور و من هنا تصبح تكنولوجيات الإعلام و الاتصال نظاما تقنيا و ماديا و اجتماعيا و ثقافيا يشمل قواعد واستعمالات و علاقات.
3.الديناميكية العائلية: (family dynamisme)
أدخل هذا المفهوم تعديلا هاما على مفهوم الجمهور بعدما كان مجرد فرد مشاهد أصبح عضوا في الجماعة المشاهدة أي المشاهدة الجماعية بدلا من الفردية (الديناميكية العائلية).
و يعتقد "ميك أندروود" أن مراجعة الإجراءات المنهجية لدراسات الجمهور حولت فهمنا و بالتالي نظرتنا للجمهور الذي اعتبرته الدراسات و الأبحاث الأولية مجرد أفراد متأثرين بالقوة البالغة للرسائل الإعلامية قارئين للنصوص و مؤولين للصور التي تخلقها و توزعها وسائل الإعلام. و هذا ما مكن "جيمس كارن" 1997 من كتابة تاريخ دراسات التلقي و يعيب على "مورلي" و "فيسك" و "سارطو" إفراطهم في الاعتماد على مذهب "المراجعة" الجديدة .
إن طرح إشكالية الديناميكية العائلية بهذه الكيفية يسمح بوضع إطار للتفكير في دراسة العلاقات الاجتماعية من خلال استعمال التكنولوجيات المنزلية الحديثة يتم في إطار العلاقات الاجتماعية و مختلف الديناميكيات الداخلية للأسرة مع اختلاف السن ، النوع، الجنس و اختلاف التأويلات و الدلالات و الرموز التي تحملها الرسائل الإعلامية و الاستجابة لمضامينها.
إذن، تمكن دراسة الديناميكية العائلية من تحليل المشاهدة و الاستعمال الفردي في إطار العلاقات العائلية خلال التفاعلات التي تحدث داخلها و هذا ما يحدد العوامل الحاسمة في ممارسة المشاهدة ، السلطة ، المسؤولية.
جيل ثالث من دراسات التلقي:
شهدت دراسات الجمهور تطورا أسماه "مورلي" الجيل الثالث من دراسات التلقي في سياق إعادة التفكير في جمهور وسائل الإعلام.
إن هذا الجيل الجديد الذي لم ترتسم معالمه النهائية بعد و لكن يمكن ملامسته من خلال العديد من الظواهر و المفاهيم المرتبطة بها.
فعلى الصعيد التكنولوجي اتسع انتشار الواب و تغلغله في جميع نواحي الحياة و اجتياح العولمة الإعلامية و تعميم أنظمة الاتصال الرقمية التي غيرت جذريا علاقات التبعية بين المرسل و المتلقي.
و على الصعيد الاقتصادي أعاد نهوض البلدان "النمور الآسيوية" في نهاية القرن الماضي و النمو الاقتصادي المذهل إمكانية محافظة شعوبها لثقافاتها و حضاراتها و مسايرة الدول المحتكرة للاقتصاد.
أما الأحداث السياسية الأكثر انعكاسا على عملية إعادة التفكير في أنماط التفاعلات الممكنة بين التدفق الإعلامي المعولم و المتلقين من مختلف الانتماءات الثقافية و العرقية و الاثنية و كذا الحرب على الإرهاب التي طرحت التخلي على المبادئ التي وجدت بعد ح ع 2 مثل حقوق الإنسان بما فيها حق الإعلام و حق الاختلاف.
لقد أصبحت بعض مظاهر هذا الجيل الثالث من دراسات التلقي الذي يرتكز على منظور المنهج الاثنوغرافي واضحة و لكنها غير دقيقة تحتاج إلى أبحاث واسعة و بفضل تطور أبحاث الجمهور اكتسب منظور جديد من جهة و انعكاسات تكنولوجيات الاتصال و الإعلام عنصر الوجود اللامادي و اللامحدودية في الزمن و المكان للجمهور و الذي يطلق عليه " ما بعد الجمهور".
إن الرقمية لم تمنح حرية الاختيار المطلق للمتلقي و حسب و لكنها قضت على العديد من القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية على الجمهور من قبل عرض نسخ من خدماتها عبر مواقع الانترنت و قبل إنشاء وسائل إعلام جماهيرية الكترونية e-media.
سيوفر نظام الاتصال الرقمي بعد تعميمه و جمهرته في عمليات الاتصال المحلية و الإقليمية و الدولية و خاصة تلفزيونات الانترنت و توسع شبكتها سيوفر لجمهور المتلقين خيارات عديدة و منها القدرة على التجوال بين الزوايا المختلفة و الأزمنة المختلفة لتلقي تفاصيل الحدث أو العمل الدرامي مثل الرجوع إلى لقطة معينة و الرجوع إلى الخلف و التقدم للأمام و وغيرها مما يدل على سيادة المتلقي في اتخاذ القرارات.
و قد أضافت هذه الحرية في الاختيار التي يكتسبها الجمهور باستمرار الجمهور سمات أخرى مثل سمة التفاعلية و اللاتزامنية
.
[b]
منقووووول