الاتجاه الامبريقي في دراسات الجمهور:
رأينا أن النظريات والنماذج المتعلقة بالجمهور تتسم بنوع من التباين في أطروحاتها وأحيانا بتناقض في نتائجها. وقد يرجع ذلك إلى درجة العلمية التي بلغتها العلوم الاجتماعية في محاولتها الاقتراب من مستوى اليقين والثبات في العلوم الطبيعية. إذ ساعدت محاولات تطبيق مناهج العلوم التجريبية على العلوم الاجتماعية وتوسيعها إلى علوم الإعلام والاتصال، على ظهور نوع من الدراسات الميدانية، يطلق عليه عادة "الأبحاث الأمبريقية" (Empirical Researches) تعتمد على المعطيات الواقعية أكثر من اعتمادها على النظريات التي تبقى مع ذلك تقود خطوات البحث الأمبريقي وتؤطر أساليبه. ويستخدم البحث الأمبريقي منهجا معينا ذا قواعد معينة تؤدي إلى نتائج معينة.
ويمكن اختبار صحة المنهج المستخدم والنتائج المتوصل إليها بحيث إذا استخدم باحثون آخرون نفس المنهج في سياقات اجتماعية وثقافية متشابهة، وجب الوصول إلى نفس النتائج، و إلا هناك خطأ ما ينبغي البحث عنه وتصحيحه. فإذا توصل باحث على سبيل المثال إلى أن "س" من جمهور حصة "آخر كلمة"(48) التلفزيونية في الجزائر هم من فئة الشباب الأقل من "ص" سنة، باستعمال أسلوب الاستمارة، وجب أن يتوصل باحث آخر في نفس الظروف إلى نتائج تقارب قيم "س" العددية في البحث الأول.
فالبحث الأمبريقي يمكن التحقق من نتائجه ومدى مطابقتها للواقع، ويمكن للبحث الأمبريقي بهذه الصفة أن يختبر صحة أو خطأ فرضية أو تحليل نظري، مثل ما فعل لازارسفالد وآخرون بشأن نظرية التأثير البالغ والشامل لوسائل الإعلام على المتلقين، حيث أثبتت نتائج البحث الميداني الذي أجراه هذا الفريق على دور ومكانة وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية الرئاسية، بطلان نظرية "الوخز الإبري" أو " القذيفة السحرية" التي تمارسها وسائل الإعلام على أفراد "المجتمع الجماهيري"، وفقا للافتراضات السابقة لهذه الدراسة.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للدراسات الأمبريقية والتشكيك في قيمتها العلمية، فإنها تتميز بما يلي:
1-الموضوعية، أي الابتعاد عن الذاتية بقدر التقرب من الواقع موضوع الدراسة.
2- إمكانية التحقق من النتائج، أي إمكانية إعادة الدراسة للتأكد من صحة أو خطأ النتائج المتوصل إليها.
3- استخدام أسلوب أو منهجية بحث مناسبة للقضية، موضوع البحث الأمبريقي.
وللاستفادة علميا من نتائج الأبحاث الأمبريقية، يوصي الاختصاصيون بضرورة مراجعة جملة من الاعتبارات منها، 1) الاستمرار مع النتائج السابقة، أي أن الباحث مطالب بالإطلاع على نتائج الأبحاث السابقة التي أجريت حول موضوع بحثه، و2) الانسجام بين محتوى الفرضيات والنتائج المتوصل إليها، و3) احترام صارم للأمانة العلمية وأخلاقيات البحث لتفادي التلاعبات السياسية التي غالبا ما تحاول توجيه نتائج الدراسة، وبخاصة في ميدان سبر الآراء(49).
ويمكن حصر أهم جوانب الدراسة الأمبريقية فيما يلي:
أولاً- الأبحاث الأمبريقية التي يشار إليها في الأدبيات الأنجلوسكسونية عادة بأبحاث الجمهور(Audience Research)، ترتكز بالأساس على العمل الميداني (fieldwork)، أي جمع المعطيات والبيانات والمعلومات المتعلقة بحجم الجمهور وبنيته الديموغرافية والمهنية والسوسيو-ثقافية وأنماط التفاعل مع الرسائل الإعلامية.
وبتأثير من نفس العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى ازدهار دراسات الجمهور النظرية، وتطور الأبحاث الميدانية في اتجاه تبسيطي مضر أحيانا بالنزاهة والجدية والصرامة العلمية. ولكن هذا الاتجاه التبسيطي يبدو مجديا اقتصاديا وسياسيا، حيث ازدهرت اقتصاديات أبحاث الجمهور، خاصة سبر الآراء والدراسات التسويقية حتى أصبحت مجالا واسعا للتنافس بين أطراف عديدة منها الحكام والسياسيين والمعلنين والتجار ومكاتب الدراسات ومصنعي أجهزة القياس الإليكترونية. كما تتسابق صناعات تقنيات سبر الآراء على تطوير الآلات الأوتوماتيكية والإليكترونية (Audiomètre, People Meter) تحولت من القياس الكمي الذي يقتصر على متابعة حالة أجهزة الاستقبال الإذاعي والتلفزيوني ونسخ سحب الجرائد والمجلات ومقاعد دور السينما والمسارح، إلى قفزة نوعية تحصي وتفرز الأشخاص الذين يشاهدون ويستمعون ويقرءون ويتفرجون على عرض درامي أو يبحرون افتراضيا عبر المواقع الإليكترونية. تتم عمليات الإحصاء والفرز والتصنيف بسرعة فائقة بفضل المعلوماتية التي تـطور يوميا أدوات الإحصاء وبرمجيات المعالجة الإليكترونية والتحكم عن بعد والبريد الإليكتروني وأنظمة الرسائل القصيرة للهاتف الرقمي والتيليماتيك وغيرها من التقنيات المتطورة بسرعة مذهلة تصعب متابعتها ورصد انعكاسات بنفس السرعة.
ثانياً- أساليب الأبحاث الأمبريقية الشائعة هي أخذ عينة تمثيلية للجمهور المراد بحثه وقياس حجمه وكيفية تشكيله وأنماط استجاباته للرسائل الإعلامية، إلى جانب قياس فئات العينة: السن، والجنس، والمستوى التعليمي، والوضع الاجتماعي أو مستوى الدخل، والمهنة، والدور الاجتماعي، ومكان الإقامة. تأخذ بعين الاعتبار الخصائص السيكولوجية والسوسيولوجية والسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يجري فيها التفاعل بين الجمهور والرسائل الإعلامية. وهناك ثلاثة أساليب تستعمل على نطاق واسع في دراسة جمهور أي وسيلة إعلامية:
1- أسلوب البحث التجريبي (Experimental)، ويستعمل خاصة في عملية الكشف عن الخصائص السيكولوجية والاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وتأثير السياقات المتنوعة في استجابة الجمهور للرسائل الإعلامية.
2-أسلوب المسح (Survey Method)، ويقوم أساسا على الاستجوابات والاستمارات لتحديد فئات الجمهور على أساس الجنس والسن ومستوى التعليم والوظيفة والمواقف والآراء...
3-أسلوب دراسة الحالة (Case Study)، ويستخدم الملاحظة ومتابعة الحالة المدروسة لفترة زمنية معينة، والمقابلة الجماعية أو الفردية والوثائق. وهو أسلوب لبحث ظاهرة معينة في فضاء معين، لكن نتائجها غير قابلة للتعميم.
ثالثاً - مؤسسات أبحاث الجمهور: ظهرت أبحاث الجمهور الميدانية مع ظهور وسائل الإعلام الإليكترونية (الإذاعة في العشرينيات والتلفزيون في الخمسينيات) في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تلتها فرنسا بعد إدخال الإشهار التجاري في التلفزيون سنة 1968. ولم تعرف هذه الأبحاث أية انطلاقة جدية في الجزائر بعد أكثر من أربعة عقود من الاستقلال، كما هو الشأن في البلدان المشابهة لها في الظروف الديموغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وقد يرجع ذلك إلى جملة من العوامل منها على وجه الخصوص:
1-انعدام المعطيات الإحصائية الدقيقة أو عدم نشرها،
2-حداثة التعددية السياسية والإعلامية، أي غياب مبررات التنافس التجاري والسياسي على المواطن كزبون وكناخب،
3-غياب مؤسسات البحث العلمي وتقاليد التحقيقات والتحريات الاجتماعية.
4-غياب تقاليد التعامل مع المحققين، وأحياناً الخوف منهم والتشكيك في نوايهم
5-إخفاء الحقيقة نتيجة الريب والخوف، وأحينا اللجوء للكذب لتضليل المحققين
غير أن إقبال الجزائر على الاندماج في الاقتصاد المعولم وتعدد وسائل الإعلام الإليكترونية التي يتعرض لها الجمهور الجزائري، أصبح يشكل مؤشرات جديرة بالاعتبار عند الحديث عن مستقبل أبحاث الجمهور في الجزائر.
أبحاث الجمهور في الجزائر
ورغم ذلك فهناك محاولات ذات أهمية قام بها جيل جديد من الباحثين في قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر خلال العقد الأخير (1995-2006) تمثلت خاصة في مناقشة 144 أطروحة ماجيستر ودكتوراه دولة في مختلف مجالات الدراسات الإعلامية، منها 30 دراسة تعالج بصفة مباشرة أو غير مباشرة مختلف مظاهر الجمهور قام بها أساتذة و/أو طلبة في إطار واجبات بيداغوجية بهدف الحصول على درجة علمية أو ترقية مهنية، يمكن أن تشكل منطلقات لأبحاث الجمهور في سياق الآفاق التي تميز التوجه الاجتماعي-السياسي العام(50).
مؤسسات البحث في مجال الجمهور
وعموما، هناك ثلاثة أنواع من المؤسسات التي تقوم بأبحاث الجمهور لأهداف تجارية و/أو سياسية و/أو علمية.
1-وسائل الإعلام: تنجز المؤسسات الإعلامية دوريا أبحاثا لمعرفة جمهورها في محاولة لتلبية رغباته وإشباع حاجاته للإعلام والتثقيف والتسلية والترفية، والتي تختلف من جمهور إلى آخر، وخاصة لزيادة مبيعاتها ومدا خيلها من الإشهار الذي يشكل عموما النسبة الأعظم في تمويل وسائل الإعلام التجارية. وتتوفر المؤسسات الإعلامية الجدية الكبرى والصغرى على دوائر وأحيانا مراكز متخصصة، مهمتها متابعة التغيرات التي تطرأ على حجم الجمهور وحاجاته ومواقفه من نشاطات المؤسسة. وتكاد لا تخلو أية مؤسسة جدية من مصلحة تهتم بمتابعة حالة الجمهور متابعة دورية منتظمة لا تتجاوز أسبوعا بالنسبة لمجموع البرامج ويوميا بالنسبة لبعض الأنواع من البرامج.
2- مكاتب دراسات، تنجز دراسات مسحية عند الطلب لجهات تجارية في المجتمعات التنافسية، حيث تشكل هذه الدراسات سوقا اقتصادية وإعلامية مزدهرة،
[b]
منقووول
رأينا أن النظريات والنماذج المتعلقة بالجمهور تتسم بنوع من التباين في أطروحاتها وأحيانا بتناقض في نتائجها. وقد يرجع ذلك إلى درجة العلمية التي بلغتها العلوم الاجتماعية في محاولتها الاقتراب من مستوى اليقين والثبات في العلوم الطبيعية. إذ ساعدت محاولات تطبيق مناهج العلوم التجريبية على العلوم الاجتماعية وتوسيعها إلى علوم الإعلام والاتصال، على ظهور نوع من الدراسات الميدانية، يطلق عليه عادة "الأبحاث الأمبريقية" (Empirical Researches) تعتمد على المعطيات الواقعية أكثر من اعتمادها على النظريات التي تبقى مع ذلك تقود خطوات البحث الأمبريقي وتؤطر أساليبه. ويستخدم البحث الأمبريقي منهجا معينا ذا قواعد معينة تؤدي إلى نتائج معينة.
ويمكن اختبار صحة المنهج المستخدم والنتائج المتوصل إليها بحيث إذا استخدم باحثون آخرون نفس المنهج في سياقات اجتماعية وثقافية متشابهة، وجب الوصول إلى نفس النتائج، و إلا هناك خطأ ما ينبغي البحث عنه وتصحيحه. فإذا توصل باحث على سبيل المثال إلى أن "س" من جمهور حصة "آخر كلمة"(48) التلفزيونية في الجزائر هم من فئة الشباب الأقل من "ص" سنة، باستعمال أسلوب الاستمارة، وجب أن يتوصل باحث آخر في نفس الظروف إلى نتائج تقارب قيم "س" العددية في البحث الأول.
فالبحث الأمبريقي يمكن التحقق من نتائجه ومدى مطابقتها للواقع، ويمكن للبحث الأمبريقي بهذه الصفة أن يختبر صحة أو خطأ فرضية أو تحليل نظري، مثل ما فعل لازارسفالد وآخرون بشأن نظرية التأثير البالغ والشامل لوسائل الإعلام على المتلقين، حيث أثبتت نتائج البحث الميداني الذي أجراه هذا الفريق على دور ومكانة وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية الرئاسية، بطلان نظرية "الوخز الإبري" أو " القذيفة السحرية" التي تمارسها وسائل الإعلام على أفراد "المجتمع الجماهيري"، وفقا للافتراضات السابقة لهذه الدراسة.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت للدراسات الأمبريقية والتشكيك في قيمتها العلمية، فإنها تتميز بما يلي:
1-الموضوعية، أي الابتعاد عن الذاتية بقدر التقرب من الواقع موضوع الدراسة.
2- إمكانية التحقق من النتائج، أي إمكانية إعادة الدراسة للتأكد من صحة أو خطأ النتائج المتوصل إليها.
3- استخدام أسلوب أو منهجية بحث مناسبة للقضية، موضوع البحث الأمبريقي.
وللاستفادة علميا من نتائج الأبحاث الأمبريقية، يوصي الاختصاصيون بضرورة مراجعة جملة من الاعتبارات منها، 1) الاستمرار مع النتائج السابقة، أي أن الباحث مطالب بالإطلاع على نتائج الأبحاث السابقة التي أجريت حول موضوع بحثه، و2) الانسجام بين محتوى الفرضيات والنتائج المتوصل إليها، و3) احترام صارم للأمانة العلمية وأخلاقيات البحث لتفادي التلاعبات السياسية التي غالبا ما تحاول توجيه نتائج الدراسة، وبخاصة في ميدان سبر الآراء(49).
ويمكن حصر أهم جوانب الدراسة الأمبريقية فيما يلي:
أولاً- الأبحاث الأمبريقية التي يشار إليها في الأدبيات الأنجلوسكسونية عادة بأبحاث الجمهور(Audience Research)، ترتكز بالأساس على العمل الميداني (fieldwork)، أي جمع المعطيات والبيانات والمعلومات المتعلقة بحجم الجمهور وبنيته الديموغرافية والمهنية والسوسيو-ثقافية وأنماط التفاعل مع الرسائل الإعلامية.
وبتأثير من نفس العوامل السياسية والاقتصادية التي أدت إلى ازدهار دراسات الجمهور النظرية، وتطور الأبحاث الميدانية في اتجاه تبسيطي مضر أحيانا بالنزاهة والجدية والصرامة العلمية. ولكن هذا الاتجاه التبسيطي يبدو مجديا اقتصاديا وسياسيا، حيث ازدهرت اقتصاديات أبحاث الجمهور، خاصة سبر الآراء والدراسات التسويقية حتى أصبحت مجالا واسعا للتنافس بين أطراف عديدة منها الحكام والسياسيين والمعلنين والتجار ومكاتب الدراسات ومصنعي أجهزة القياس الإليكترونية. كما تتسابق صناعات تقنيات سبر الآراء على تطوير الآلات الأوتوماتيكية والإليكترونية (Audiomètre, People Meter) تحولت من القياس الكمي الذي يقتصر على متابعة حالة أجهزة الاستقبال الإذاعي والتلفزيوني ونسخ سحب الجرائد والمجلات ومقاعد دور السينما والمسارح، إلى قفزة نوعية تحصي وتفرز الأشخاص الذين يشاهدون ويستمعون ويقرءون ويتفرجون على عرض درامي أو يبحرون افتراضيا عبر المواقع الإليكترونية. تتم عمليات الإحصاء والفرز والتصنيف بسرعة فائقة بفضل المعلوماتية التي تـطور يوميا أدوات الإحصاء وبرمجيات المعالجة الإليكترونية والتحكم عن بعد والبريد الإليكتروني وأنظمة الرسائل القصيرة للهاتف الرقمي والتيليماتيك وغيرها من التقنيات المتطورة بسرعة مذهلة تصعب متابعتها ورصد انعكاسات بنفس السرعة.
ثانياً- أساليب الأبحاث الأمبريقية الشائعة هي أخذ عينة تمثيلية للجمهور المراد بحثه وقياس حجمه وكيفية تشكيله وأنماط استجاباته للرسائل الإعلامية، إلى جانب قياس فئات العينة: السن، والجنس، والمستوى التعليمي، والوضع الاجتماعي أو مستوى الدخل، والمهنة، والدور الاجتماعي، ومكان الإقامة. تأخذ بعين الاعتبار الخصائص السيكولوجية والسوسيولوجية والسياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يجري فيها التفاعل بين الجمهور والرسائل الإعلامية. وهناك ثلاثة أساليب تستعمل على نطاق واسع في دراسة جمهور أي وسيلة إعلامية:
1- أسلوب البحث التجريبي (Experimental)، ويستعمل خاصة في عملية الكشف عن الخصائص السيكولوجية والاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وتأثير السياقات المتنوعة في استجابة الجمهور للرسائل الإعلامية.
2-أسلوب المسح (Survey Method)، ويقوم أساسا على الاستجوابات والاستمارات لتحديد فئات الجمهور على أساس الجنس والسن ومستوى التعليم والوظيفة والمواقف والآراء...
3-أسلوب دراسة الحالة (Case Study)، ويستخدم الملاحظة ومتابعة الحالة المدروسة لفترة زمنية معينة، والمقابلة الجماعية أو الفردية والوثائق. وهو أسلوب لبحث ظاهرة معينة في فضاء معين، لكن نتائجها غير قابلة للتعميم.
ثالثاً - مؤسسات أبحاث الجمهور: ظهرت أبحاث الجمهور الميدانية مع ظهور وسائل الإعلام الإليكترونية (الإذاعة في العشرينيات والتلفزيون في الخمسينيات) في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، ثم تلتها فرنسا بعد إدخال الإشهار التجاري في التلفزيون سنة 1968. ولم تعرف هذه الأبحاث أية انطلاقة جدية في الجزائر بعد أكثر من أربعة عقود من الاستقلال، كما هو الشأن في البلدان المشابهة لها في الظروف الديموغرافية والسياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وقد يرجع ذلك إلى جملة من العوامل منها على وجه الخصوص:
1-انعدام المعطيات الإحصائية الدقيقة أو عدم نشرها،
2-حداثة التعددية السياسية والإعلامية، أي غياب مبررات التنافس التجاري والسياسي على المواطن كزبون وكناخب،
3-غياب مؤسسات البحث العلمي وتقاليد التحقيقات والتحريات الاجتماعية.
4-غياب تقاليد التعامل مع المحققين، وأحياناً الخوف منهم والتشكيك في نوايهم
5-إخفاء الحقيقة نتيجة الريب والخوف، وأحينا اللجوء للكذب لتضليل المحققين
غير أن إقبال الجزائر على الاندماج في الاقتصاد المعولم وتعدد وسائل الإعلام الإليكترونية التي يتعرض لها الجمهور الجزائري، أصبح يشكل مؤشرات جديرة بالاعتبار عند الحديث عن مستقبل أبحاث الجمهور في الجزائر.
أبحاث الجمهور في الجزائر
ورغم ذلك فهناك محاولات ذات أهمية قام بها جيل جديد من الباحثين في قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر خلال العقد الأخير (1995-2006) تمثلت خاصة في مناقشة 144 أطروحة ماجيستر ودكتوراه دولة في مختلف مجالات الدراسات الإعلامية، منها 30 دراسة تعالج بصفة مباشرة أو غير مباشرة مختلف مظاهر الجمهور قام بها أساتذة و/أو طلبة في إطار واجبات بيداغوجية بهدف الحصول على درجة علمية أو ترقية مهنية، يمكن أن تشكل منطلقات لأبحاث الجمهور في سياق الآفاق التي تميز التوجه الاجتماعي-السياسي العام(50).
مؤسسات البحث في مجال الجمهور
وعموما، هناك ثلاثة أنواع من المؤسسات التي تقوم بأبحاث الجمهور لأهداف تجارية و/أو سياسية و/أو علمية.
1-وسائل الإعلام: تنجز المؤسسات الإعلامية دوريا أبحاثا لمعرفة جمهورها في محاولة لتلبية رغباته وإشباع حاجاته للإعلام والتثقيف والتسلية والترفية، والتي تختلف من جمهور إلى آخر، وخاصة لزيادة مبيعاتها ومدا خيلها من الإشهار الذي يشكل عموما النسبة الأعظم في تمويل وسائل الإعلام التجارية. وتتوفر المؤسسات الإعلامية الجدية الكبرى والصغرى على دوائر وأحيانا مراكز متخصصة، مهمتها متابعة التغيرات التي تطرأ على حجم الجمهور وحاجاته ومواقفه من نشاطات المؤسسة. وتكاد لا تخلو أية مؤسسة جدية من مصلحة تهتم بمتابعة حالة الجمهور متابعة دورية منتظمة لا تتجاوز أسبوعا بالنسبة لمجموع البرامج ويوميا بالنسبة لبعض الأنواع من البرامج.
2- مكاتب دراسات، تنجز دراسات مسحية عند الطلب لجهات تجارية في المجتمعات التنافسية، حيث تشكل هذه الدراسات سوقا اقتصادية وإعلامية مزدهرة،
[b]
منقووول