نحوآفاق إثنوغرافية في دراسات الجمهور في الجزائر
يبدو أن أبحاث الجمهور في الجزائر، ما تزال مجالا خصباً تزداد خصوبته تبعا لوتيرة التأثيرات التي تحدثها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة. ومن هنا، أودّ، في ظل أبحاث الجمهور ومكانتها في الدراسات الشاملة للإعلام والاتصال "الجماهيري" والعالم الإلكتروني المعولم الذي يرخي بظلاله في كل مكان من هذا الكون بما فيه الجزائر، أن أخصِّص هذه الورقة لبحث عوامل ودواعي وأهداف توجّه منهجي جديد بدأ يحتل الصدارة في أبحاث الجمهور منذ ثمانينيات القرن وتكثف استعماله منذ مطلع القرن الحالي.
ويتمثل التوجه الجديد في المنهج الإثنوغرافي في دراسة السلوك الاتصالي للجمهور والتفاعلات الممكنة مع الرسائل الإعلامية التي يتلقاها من مختلف الوسائط المتوفرة في الفضاء الاتصالي الجديد الذي تشكل الأنترنات أهم وسائطه على الإطلاق، وأوسع مجال الثقافة التفاعلية بين الإنسان والمحيط التكنولوجي.
لقد أصبحت الأنترنات التي منذ الشروع في استعمالها في الفضاء العمومي في الغرب في التسعينات من القرن الماضي، تنافس التلفزيون، كأداة تكنولوجية منزلية جديدة. وتحوّل، بالتالي، انشغال الآباء والمربين، من التخوف من تأثير التلفزيون على السلوك العام للأطفال، إلى التأثيرات المحتملة لهذه الوسيلة الوافدة المتوغلة بقوة خارقة وبسرعة فائقة في مختلف مناحي حياة الناس، هذا الانشغال نابع أساسا من عدة اعتبارات، لعل في مقدمتها:
- أن المقبلين على استخدام هذه الوسيلة هم في أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والمراهقين، حيث توصلت دراسة أجريت في بريطانيا أن 75 في المائة من مستعملي الأنترنات تتراوح أعمارهم بين 7 و16 سنة، بينما يتناقص إقبال الراشدين (25 في المائة الباقية) كلما ارتفع معدل السن إلى أن تبلغ الأمية الاليكترونية أوجها لدي فئة العمر الأكبرمن50 سنة، حيث تتجاوز نسبة الممتنعين عن استعمال هذه التكنولوجيات الحديثة في أوروبا أكثر من 60 في المائة لأسباب تعود في أغلبيتها إلى الأمية الإلكترونية وكراهية التكنولوجيا (Technophobia ).
- إن جهل الآباء بهذه التقنية يصعب من عملية المراقبة واستعمال هذه التقنية من قبل الأطفال والمراهقين
- أن الأنترنات أعاد تشكيل وصياغة العلاقة بين عدد من المواضيع والأطراف المتفاعلة مثل المنزل والمدرسة والنادي والتعليم والأولياء والمربين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، حيث طرحت جملة من التساؤلات لم تتم الإجابة عنها بعد.
- أن القيمة التعليمية للأنترنات لم تتأكد بعد، وقلة التجربة بها تجعلها مصدر ريب وخشية.
- أن الأنترنات أعاد الاعتبار للمنزل كفضاء لإنتاج المحتوى ومكان لتلقي العلم والمتعة والترفيه والمزاح.
- أن الدردشة هي شكل من أشكال المشاركة المدنية في الحياة الاجتماعية، كما ينظر إليها على أنها شكل من أشكال الانسلاخ عن المجتمع المحلي.
_ أن الفجوة الرقمية المتمثلة في اللامساواة في القدرة والإمكانيات المتوفرة لاستعمال التكنولوجيات الحديثة، لا تظهر فقط فيما بين الفئات الاجتماعية ذات الخلفيات المختلفة، ولكن تتجلى خاصة في القدرة على استعمال الأنترنات في إشباع الحاجات المختلفة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المتنوعة المطروحة.
لقد استدعت خصوصيات هذا الفضاء الاتصالي الجديد الذي هو، في الحقيقة، امتداد للفضاء الناجم عن الاستعمال المكثف للتكنولوجيات المنزلية، تعميم الاختيارات المنهجية الإثنوغرافية للتوجه الجديد في أبحاث الجمهور. وهي تندرج، عموما، فيما أصبح يعرف بالمنهجية الإثنوغرافية (Ethnomethodology ) في دراسات التلقي، والتي تستلزم تحديد إثنوغرافيا الجمهور وإجراء تحريات علمية حول أنظمة التأويل والعمليات التي يقوم بها المتلقون. وتستند خطوات البحث إلى مختلف وحدات التحليل: الفرد باعتباره موضوع اجتماعي وذات فردية (Social Subject & Individual Subjectivity )، والجماعة والعلاقات ما بين الذات المشتركة (Intersubjective ) في تجربة الحياة اليومية للجماعة.
وإلى جانب الأنترنات، تكثف استعمال الاتجاه الإثنو- منهجي في دراسات الجمهور على ضوء عولمة الرسائل الإعلامية المتسارعة والمتوسعة بفضل البث التلفزيوني المباشر عبر السواتل والأنظمة الرقمية والقنوات المشفرة وتلفزيون الأنترنات(Screen Digest ) الذي يتوقع أن يحل محل القنوات المشفرة خلال العشرية القادمة.
ويرى رامسوامي (Ramaswami Harindranath, 2005)، أن هناك صنفين من دراسات الجمهور الشامل الحديثة (Global Audience) بدأت منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي تركز على دور المجموعات الإثنية: الصنف الذي أعاد بعث أطروحات الإمبريالية الثقافة والإعلامية (Media/cultural Imperialism)، ويحاول إعادة صياغتها في إطار التيارات المناهضة للعولمة، والصنف الذي يوجه البحث من جديد إلى دور وسائل الإعلام في تكوين هويات الأقليات (Diasporic Identities) المشتتة خارج بيئاتها الطبيعية الأولى، خاصة دورها في تكوين تصورهم لهوياتهم الإثنية في بيئاتهم الجديدة.
إن الإشكالية التي يعيد رامسوامي طرحها والمستمدة أساسا من خلا صات مثالين كان قد توصل إليها كل من ليا بز وكاتز (Liebes & Katz, 1993) وجيل صبــاي (Gillespie, 1995) المتعلقة بأبحاث الجمهور العابرة للثقافات (Cross-Cultural) وأقليات الشتات المنسلخة من جذورها الإقليمية، تخص بالدرجة الأولى إبراز الانتماءات الإثنية كعوامل محددة للسلوك الاتصالي ولنمط التفاعل الإعلامي . فقد لاحظ جيل روي (Gilroy, 2004)، أن التيارات الثقافية المتعددة (Multiculturalism) المثيرة دائما للنقاش حول الإثنية الثقافية، على سبيل المثال، أخذت أبعاداً جديدةً تبعا لطبيعة قراءة وتفسير الاعتبارات الأخيرة المتعلقة "بالحرب ضد الإرهاب" (War On Terror)، خاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا.
ويبدو من خلال معالجات قضايا تمايز الهويات الإثنية المعقدة وعلاقاتها بمسائل الانتماء العرقي وبالثقافة العابرة للأمم (Transnational Culture) على الصعيدين التنظيري والتطبيقي، أن هناك وعي متزايد بضرورة إعطاء أهمية معتبرة لهذه المواضيع الحساسة، وإعادة اختبار مدى قابلية بعض الخلاصات للتعميم على مختلف الحساسيات المحلية في بقاع شتى من العالم.
في سياق هذا النمط من التفكير والممارسات البحثية، تعتقد أنغ (Ang, 2001)، أن معالجة الخطابات "الوطنية" في علاقاتها بثقافة العولمة، تصبح مسألة أكثر ملائمة في حالة شرق آسيا حيث ساهم النمو الاقتصادي منذ أوائل التسعينات في ارتفاع موازي في الشعور بالثقة الذاتية (Self-confidence) الوطنية والإقليمية في مقابل تبسيط الشعور المناهض للغرب الذي أصبح ينظر إليه كفئة تحليلية وجغرافية غير متمركزة (Decentred)، الأمر الذي يسمح للثقافة العابرة للأمم أن تتوغل (Incorporate) في التمايز الثقافي والإثني من خلال إعادة تصور أطروحة تأسيس الانسجام (Homogenization) في الثقافة الشاملة. ولاحظت أنغ في نفس المضمار، أن هذا الوعي الغربي بضرورة "أمحلة" (Localization) العولمة، دفع بمقرري برامج التلفزيونات الفضائية، على سبيل المثال، إلى التكيف مع نتائج تلك الدراسات المتعلقة بالجمهور الشامل، مشيرة إلى قرار التلفزيون-النجم(TV Star) المملوك لمردوخ (Murdoch) بتنويع الخدمات الإعلامية والتثقيفية والترفيهية المتفرقة بمختلف اللغات المحلية، كاعتراف ضمني وصريح بالتنوع الثقافي في منطقة جغرافية معينة تبعا للتنوع اللغوي والديني والتقسيمات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي، الاعتراف باختلاف مصالح واهتمامات الجمهور التي تحدد أشكال مشاركته في مضامين الاتصال التي يسهل عليه إدماجها في بيئته المحلية.
وعلى الرغم من الخلط بين"العرقية" و"الإثنية"، وحسن النية المفترض في دراسة عينة من الجمهور الشامل التي أنجزها كاتز وليابز (Liebes & Katz, 1993 ) حول استجابة مجموعات إثنية مختلفة (عرب، يهود روس، يهود مغاربة، وكيبيتزيم (Kibbutzim) وأمريكيين) لمسلسل دلاس، فإنها أثبت خطأ الاعتقاد المفترض القائل "أن بث نصوص مثل البرامج التلفزيونية الأمريكية يقبلها الجمهور الدولي ويتقبلها بدون نقاش".
يمكن، عموما التأكيد على ضوء ما توصلت إليه أبحاث الجهور الحديثة، أن المنهج الإثنوغرافي، رغم أنه براغماتي بدرجة أولى(يأخذ بعين الاعتبار فقط المصادر المتوفرة والمعطيات المستهدفة من البحث)، يبقى أنسب مقاربة تسمح بالدخول إلى عوالم العائلات وسياقاتها في إطار تلقى الرسائل الإعلامية كفعل فردي واجتماعي ووصف أفعال هذه العائلات وإشاراتها في علاقتها مع استعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال. فالمقترب الإثنوغرافي، يركز على فهم السلوك في سياق اجتماعي عبر مشاركة الباحث في الوضعية المدروسة مشاركة فاعلة ضمن الفريق موضوع الدراسة.
كما يوفر المقترب الإثنوغرافي تقريراً وصفياً، مستعملاً مجموعة من الأدوات المنهجية في مقدمتها، المقابلات الودية غير الرسمية، والملاحظة بالمشاركة.
للدكتور علي قسايسية
Publié le 15/05/2010 à 21h35
يبدو أن أبحاث الجمهور في الجزائر، ما تزال مجالا خصباً تزداد خصوبته تبعا لوتيرة التأثيرات التي تحدثها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة. ومن هنا، أودّ، في ظل أبحاث الجمهور ومكانتها في الدراسات الشاملة للإعلام والاتصال "الجماهيري" والعالم الإلكتروني المعولم الذي يرخي بظلاله في كل مكان من هذا الكون بما فيه الجزائر، أن أخصِّص هذه الورقة لبحث عوامل ودواعي وأهداف توجّه منهجي جديد بدأ يحتل الصدارة في أبحاث الجمهور منذ ثمانينيات القرن وتكثف استعماله منذ مطلع القرن الحالي.
ويتمثل التوجه الجديد في المنهج الإثنوغرافي في دراسة السلوك الاتصالي للجمهور والتفاعلات الممكنة مع الرسائل الإعلامية التي يتلقاها من مختلف الوسائط المتوفرة في الفضاء الاتصالي الجديد الذي تشكل الأنترنات أهم وسائطه على الإطلاق، وأوسع مجال الثقافة التفاعلية بين الإنسان والمحيط التكنولوجي.
لقد أصبحت الأنترنات التي منذ الشروع في استعمالها في الفضاء العمومي في الغرب في التسعينات من القرن الماضي، تنافس التلفزيون، كأداة تكنولوجية منزلية جديدة. وتحوّل، بالتالي، انشغال الآباء والمربين، من التخوف من تأثير التلفزيون على السلوك العام للأطفال، إلى التأثيرات المحتملة لهذه الوسيلة الوافدة المتوغلة بقوة خارقة وبسرعة فائقة في مختلف مناحي حياة الناس، هذا الانشغال نابع أساسا من عدة اعتبارات، لعل في مقدمتها:
- أن المقبلين على استخدام هذه الوسيلة هم في أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والمراهقين، حيث توصلت دراسة أجريت في بريطانيا أن 75 في المائة من مستعملي الأنترنات تتراوح أعمارهم بين 7 و16 سنة، بينما يتناقص إقبال الراشدين (25 في المائة الباقية) كلما ارتفع معدل السن إلى أن تبلغ الأمية الاليكترونية أوجها لدي فئة العمر الأكبرمن50 سنة، حيث تتجاوز نسبة الممتنعين عن استعمال هذه التكنولوجيات الحديثة في أوروبا أكثر من 60 في المائة لأسباب تعود في أغلبيتها إلى الأمية الإلكترونية وكراهية التكنولوجيا (Technophobia ).
- إن جهل الآباء بهذه التقنية يصعب من عملية المراقبة واستعمال هذه التقنية من قبل الأطفال والمراهقين
- أن الأنترنات أعاد تشكيل وصياغة العلاقة بين عدد من المواضيع والأطراف المتفاعلة مثل المنزل والمدرسة والنادي والتعليم والأولياء والمربين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، حيث طرحت جملة من التساؤلات لم تتم الإجابة عنها بعد.
- أن القيمة التعليمية للأنترنات لم تتأكد بعد، وقلة التجربة بها تجعلها مصدر ريب وخشية.
- أن الأنترنات أعاد الاعتبار للمنزل كفضاء لإنتاج المحتوى ومكان لتلقي العلم والمتعة والترفيه والمزاح.
- أن الدردشة هي شكل من أشكال المشاركة المدنية في الحياة الاجتماعية، كما ينظر إليها على أنها شكل من أشكال الانسلاخ عن المجتمع المحلي.
_ أن الفجوة الرقمية المتمثلة في اللامساواة في القدرة والإمكانيات المتوفرة لاستعمال التكنولوجيات الحديثة، لا تظهر فقط فيما بين الفئات الاجتماعية ذات الخلفيات المختلفة، ولكن تتجلى خاصة في القدرة على استعمال الأنترنات في إشباع الحاجات المختلفة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المتنوعة المطروحة.
لقد استدعت خصوصيات هذا الفضاء الاتصالي الجديد الذي هو، في الحقيقة، امتداد للفضاء الناجم عن الاستعمال المكثف للتكنولوجيات المنزلية، تعميم الاختيارات المنهجية الإثنوغرافية للتوجه الجديد في أبحاث الجمهور. وهي تندرج، عموما، فيما أصبح يعرف بالمنهجية الإثنوغرافية (Ethnomethodology ) في دراسات التلقي، والتي تستلزم تحديد إثنوغرافيا الجمهور وإجراء تحريات علمية حول أنظمة التأويل والعمليات التي يقوم بها المتلقون. وتستند خطوات البحث إلى مختلف وحدات التحليل: الفرد باعتباره موضوع اجتماعي وذات فردية (Social Subject & Individual Subjectivity )، والجماعة والعلاقات ما بين الذات المشتركة (Intersubjective ) في تجربة الحياة اليومية للجماعة.
وإلى جانب الأنترنات، تكثف استعمال الاتجاه الإثنو- منهجي في دراسات الجمهور على ضوء عولمة الرسائل الإعلامية المتسارعة والمتوسعة بفضل البث التلفزيوني المباشر عبر السواتل والأنظمة الرقمية والقنوات المشفرة وتلفزيون الأنترنات(Screen Digest ) الذي يتوقع أن يحل محل القنوات المشفرة خلال العشرية القادمة.
ويرى رامسوامي (Ramaswami Harindranath, 2005)، أن هناك صنفين من دراسات الجمهور الشامل الحديثة (Global Audience) بدأت منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي تركز على دور المجموعات الإثنية: الصنف الذي أعاد بعث أطروحات الإمبريالية الثقافة والإعلامية (Media/cultural Imperialism)، ويحاول إعادة صياغتها في إطار التيارات المناهضة للعولمة، والصنف الذي يوجه البحث من جديد إلى دور وسائل الإعلام في تكوين هويات الأقليات (Diasporic Identities) المشتتة خارج بيئاتها الطبيعية الأولى، خاصة دورها في تكوين تصورهم لهوياتهم الإثنية في بيئاتهم الجديدة.
إن الإشكالية التي يعيد رامسوامي طرحها والمستمدة أساسا من خلا صات مثالين كان قد توصل إليها كل من ليا بز وكاتز (Liebes & Katz, 1993) وجيل صبــاي (Gillespie, 1995) المتعلقة بأبحاث الجمهور العابرة للثقافات (Cross-Cultural) وأقليات الشتات المنسلخة من جذورها الإقليمية، تخص بالدرجة الأولى إبراز الانتماءات الإثنية كعوامل محددة للسلوك الاتصالي ولنمط التفاعل الإعلامي . فقد لاحظ جيل روي (Gilroy, 2004)، أن التيارات الثقافية المتعددة (Multiculturalism) المثيرة دائما للنقاش حول الإثنية الثقافية، على سبيل المثال، أخذت أبعاداً جديدةً تبعا لطبيعة قراءة وتفسير الاعتبارات الأخيرة المتعلقة "بالحرب ضد الإرهاب" (War On Terror)، خاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا.
ويبدو من خلال معالجات قضايا تمايز الهويات الإثنية المعقدة وعلاقاتها بمسائل الانتماء العرقي وبالثقافة العابرة للأمم (Transnational Culture) على الصعيدين التنظيري والتطبيقي، أن هناك وعي متزايد بضرورة إعطاء أهمية معتبرة لهذه المواضيع الحساسة، وإعادة اختبار مدى قابلية بعض الخلاصات للتعميم على مختلف الحساسيات المحلية في بقاع شتى من العالم.
في سياق هذا النمط من التفكير والممارسات البحثية، تعتقد أنغ (Ang, 2001)، أن معالجة الخطابات "الوطنية" في علاقاتها بثقافة العولمة، تصبح مسألة أكثر ملائمة في حالة شرق آسيا حيث ساهم النمو الاقتصادي منذ أوائل التسعينات في ارتفاع موازي في الشعور بالثقة الذاتية (Self-confidence) الوطنية والإقليمية في مقابل تبسيط الشعور المناهض للغرب الذي أصبح ينظر إليه كفئة تحليلية وجغرافية غير متمركزة (Decentred)، الأمر الذي يسمح للثقافة العابرة للأمم أن تتوغل (Incorporate) في التمايز الثقافي والإثني من خلال إعادة تصور أطروحة تأسيس الانسجام (Homogenization) في الثقافة الشاملة. ولاحظت أنغ في نفس المضمار، أن هذا الوعي الغربي بضرورة "أمحلة" (Localization) العولمة، دفع بمقرري برامج التلفزيونات الفضائية، على سبيل المثال، إلى التكيف مع نتائج تلك الدراسات المتعلقة بالجمهور الشامل، مشيرة إلى قرار التلفزيون-النجم(TV Star) المملوك لمردوخ (Murdoch) بتنويع الخدمات الإعلامية والتثقيفية والترفيهية المتفرقة بمختلف اللغات المحلية، كاعتراف ضمني وصريح بالتنوع الثقافي في منطقة جغرافية معينة تبعا للتنوع اللغوي والديني والتقسيمات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي، الاعتراف باختلاف مصالح واهتمامات الجمهور التي تحدد أشكال مشاركته في مضامين الاتصال التي يسهل عليه إدماجها في بيئته المحلية.
وعلى الرغم من الخلط بين"العرقية" و"الإثنية"، وحسن النية المفترض في دراسة عينة من الجمهور الشامل التي أنجزها كاتز وليابز (Liebes & Katz, 1993 ) حول استجابة مجموعات إثنية مختلفة (عرب، يهود روس، يهود مغاربة، وكيبيتزيم (Kibbutzim) وأمريكيين) لمسلسل دلاس، فإنها أثبت خطأ الاعتقاد المفترض القائل "أن بث نصوص مثل البرامج التلفزيونية الأمريكية يقبلها الجمهور الدولي ويتقبلها بدون نقاش".
يمكن، عموما التأكيد على ضوء ما توصلت إليه أبحاث الجهور الحديثة، أن المنهج الإثنوغرافي، رغم أنه براغماتي بدرجة أولى(يأخذ بعين الاعتبار فقط المصادر المتوفرة والمعطيات المستهدفة من البحث)، يبقى أنسب مقاربة تسمح بالدخول إلى عوالم العائلات وسياقاتها في إطار تلقى الرسائل الإعلامية كفعل فردي واجتماعي ووصف أفعال هذه العائلات وإشاراتها في علاقتها مع استعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال. فالمقترب الإثنوغرافي، يركز على فهم السلوك في سياق اجتماعي عبر مشاركة الباحث في الوضعية المدروسة مشاركة فاعلة ضمن الفريق موضوع الدراسة.
كما يوفر المقترب الإثنوغرافي تقريراً وصفياً، مستعملاً مجموعة من الأدوات المنهجية في مقدمتها، المقابلات الودية غير الرسمية، والملاحظة بالمشاركة.
للدكتور علي قسايسية
Publié le 15/05/2010 à 21h35