الإعلامي المتميز

أخي:

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا ويسعدنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة

التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا
منتدى الإعلامي المتميز

وكم يشرفني أن أقدم لك .. أخـوتنا وصداقـتـنا
التي تتسم بالطهر والمشاعر الصادقة
التي تنبع من قلوب مشرفيّ وأعضاء
هذا المنتدى السامي

أهــلا بك
يبقى فقط ان تسجل حضورك

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الإعلامي المتميز

أخي:

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا ويسعدنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة

التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا
منتدى الإعلامي المتميز

وكم يشرفني أن أقدم لك .. أخـوتنا وصداقـتـنا
التي تتسم بالطهر والمشاعر الصادقة
التي تنبع من قلوب مشرفيّ وأعضاء
هذا المنتدى السامي

أهــلا بك
يبقى فقط ان تسجل حضورك

الإعلامي المتميز

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الإعلامي المتميز

يهتم بالإعلامي وتطوير قدراته


    تكنولوجيات الإعلام ودراسات الجمهور في المجتمعات الانتقالية

    admin
    admin
    Admin


    عدد المساهمات : 482
    تاريخ التسجيل : 09/08/2009
    العمر : 39

    تكنولوجيات الإعلام ودراسات الجمهور في المجتمعات الانتقالية Empty تكنولوجيات الإعلام ودراسات الجمهور في المجتمعات الانتقالية

    مُساهمة من طرف admin الخميس أكتوبر 06, 2011 10:58 pm



    تكنولوجيات الإعلام ودراسات الجمهور في المجتمعات الانتقالية*

    د.علي قسايسية



    مقدمة

    لقد أدخلت تكنولوجيات الاتصال والإعلام الجديدة المتجددة، تغييرات جذرية عميقة على المفاهيم السائدة التي قوبلت عموما كبديهيات في جميع فروع العلم والمعرفة، حيث أصبحت أنماط التفكير والتصورات التقليدية و أساليب التحليل العامة والممارسات اليومية، غير قادرة على استيعاب هذه التغييرات واحتواء مدلولاتها السيميولوجية وانعكاساتها الميدانية.

    ولعل من بين المفاهيم التي خضعت لتعديلات واسعة شملت العناصر الجوهرية والثانوية المكوّنة لها، مفهوم الجمهور، جمهور وسائل الإعلام والاتصال، الذي تشكَّل على مدى ستة قرون تقريباً، منذ اختراع غوتنبرغ لحروف الطباعة المتحركة في القرن الخامس عشر الميلادي، أي على طول التاريخ الطبيعي لوسائل الإعلام الجماهيرية. على أن هذه التغييرات لا تعني، بالضرورة، إلغاء وحذف مكونات وإحلال محلها عناصر جديدة، حيث أن بعض العناصر المكونة لمفهوم الجمهور، من مثل التلقي المباشر للرسالة، وعلاقة الوجه للوجه بين القائم بالاتصال والجمهور، وانعدام الفواصل الزمنية والجغرافية بين زمان ومكان الإرسال والتلقي... ترجع إلى مرحلة ما قبل وسائل الإعلام، عادت في أشكال متطورة في أنظمة الاتصال الرقمية، وأصبحت من السمات المميزة للجمهور في المجتمعات الإلكترونية الافتراضية، مجتمعات المعرفة والإعلام.

    لقد ارتبط مفهوم الجمهور في مدلولاته السوسيولوجية بعملية الاتصال في جميع أنواعها التي تتطلب على الأقل مُرسلاً، رسالةً، ومُستقِبلاً، أو متلقٍِِِِِِِِ، هو السبب والغاية، مهما كانت طبيعة الرسالة المُستقبَلة: دينية، سياسية، فكرية أو علمية، ومهما كانت الوسيلة المستعمَلة في نقلها، صوت، صورة أو لغة، مباشرة أو غير مباشرة، فردية أو جماعية. وقد ظهر ونما الشكل الجماعي لوسائل الاتصال بظهور ونمو التجمعات البشرية التي أقامت حضارات متنوعة لعب الاتصال دوراً حيوياً في نشر قيّمها ونقلها عبر الأجيال المتلاحقة، إلى أن أصبح الاتصال الجمعي جماهيريا بعد انتشار الصحافة في القرن الثامن عشر، وظهور وسائل الإعلام الإلكترونية من إذاعة في العشرينيات من القرن الماضي، والتلفزيون في بداية النصف الثاني منه، والأقمار الصناعية والانترنت في العشرينيتين التاسعة والعاشرة الأخيرتين.

    · نشرت هذه الدراسة في مجلة الاتصال والتنمية، العدد01، تشرين الأول/أكتوبر 2010، دار النهضة العربية، بيروت

    ولئن كان الجمهور، كظاهرة سوسيولوجية قديماً قدم التجمعات البشرية، والاهتمام به قديماً أيضاً قدم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا العامة، فإن جمهور وسائل الإعلام، كشكل متمايز عن أشكال التجمعات البشرية الأخرى، لم يحظ بنفس الاهتمام، رغم مرور حوالي قرن من الزمن على ظهور الدراسات الإعلامية ورغم وجود مبادرات عديدة لتأسيس فروع علمية تتكفل بدراسة هذا الشكل من تجمع الناس حول رسالة إعلامية، مثل علم الاجتماع الإعلامي وعلم النفس الإعلامي وغيرها من فروع التاريخ والاقتصاد والثقافة، المرتبطة بوسائل الاتصال الجماهيري.

    إن الاهتمام بالأبحاث المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام الجماهيرية، من قراء الصحافة المكتوبة ومستمعي المحطات الإذاعية ومشاهدي القنوات التلفزيونية ومستعملي الشبكة العنكبوتية العالمية، الأنترنات بمختلف تقنياتها الاتصالية المتجددة، هو اهتمام حديث العهد نسبياً، ولكنه يتزايد باضطراد مواكبا التطورات المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة المتجددة.

    لقد بدأت هذه الأبحاث تحتل مكانة معتبرة ضمن الدراسات الإعلامية الشاملة التي تنجزها مؤسسات أكاديمية وإعلامية ومراكز متخصصة، والتي ما فتئت تنتشر مع اتساع ظاهرة العولمة المتسارعة و المتزايدة التعقيد، مفضية إلى تعميم ثقافة العولمة[1] التي هي، في واقع الأمر، ليست سوى ثقافة القوى المهيمنة على الاقتصاد والسياسة والإعلام والمعرفة والتكنولوجيا ومختلف المجالات الصناعية وبخاصة الصناعات الإستراتيجية التكنولوجية والعسكرية، وحتى الدراسات المتعلقة بهذه المجالات، ومنها أبحاث الجمهور التي تطرح إشكاليات متنوعة في طبيعتها ومنطلقاتها النظرية وأسسها وأدواتها المنهجية، حسب السياقات العامة والمراحل التاريخية لتطور الدراسات الإعلامية عامة، ودراسات الجمهور خاصة، وأيضاً حسب درجة تطور المجتمعات التي تجرى فيها هذه الدراسات.

    وكان الاهتمام بدراسة الجمهور، كطرف أصيل في العملية الاتصالية، قد بدأ بجدية علمية منذ ثلاثينيات القرن الماضي إثر تطور وسائل الإعلام في المجتمعات الجماهيرية بشكل لم يسبق له مثيل، و ما نتج عنه من انشغال مصحوب باعتقاد راسخ في قوة التأثير البالغ[2] الذي يمكن أن تمارسه هذه الوسائل على جمهور المتلقين كأفراد وجماعات، وتوجيههم الوجهة التي ترغب فيها الجهات المؤثرة في السياسات الإعلامية في مختلفة المجتمعات عبر مختلف المراحل التاريخية. ومما زاد في ترسيخ الاعتقاد في قوة التأثير البالغ لوسائل الإعلام على الجمهور، مضامين الخلاصات التي كانت قد توصلت إليها بعض الدراسات السيكولوجية السلوكية بداية من العقد الثالث من القرن الماضي وتطبيق مناهج العلوم التجريبية في مجالات العلوم الإنسانية و الاجتماعية منذ نهاية القرن التاسع عشر.

    خلفية تاريخية

    وعلى الرغم من أن دراسات الجمهور كانت قد ظهرت وتطورت وازدهرت في بيئات اجتماعية متباينة إلا أنه كانت تسودها عموما المنافسة الاقتصادية والسياسية والتسابق الأيديولوجي. وتكثفت هذه الدراسات بصفة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، وكان الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو البحث عن كيفية إعداد الرسائل التي تمكن من الوصول إلى كسب رضا أكبر عدد ممكن من المستهلكين وتأييد أكبر عدد ممكن من الناخبين ومناصري التيارات الفكرية المتنافسة على كسب أكبر عدد ممكن من أفراد جمهور وسائل الإعلام. وبعبارة أخرى، كان الهدف من تلك الدراسات هو محاولة اكتشاف والتحكم في معرفة واستخدام آليات تأثير الرسائل الإعلامية على سلوكيات المتلقين بغرض تغييرها أو تعديلها وتوجيهها الوجهة التي يريدها القائم بالاتصال.

    من هذا المنظور، كانت الأهداف التجارية والدعائية، ولازالت، هي المحرك الرئيسي للأبحاث المرتكزة أساسا على النظرة العددية لتحديد حجم الجمهور ووصف تركيبته في محاولة لمعرفة احتياجاته المادية والمعنوية والكشف عن اهتماماته و التطلع نحو العمل على إشباعها والاستجابة إليها، وفي الغالب التظاهر بذلك، سواء تعلق الأمر بالحملات الاشهارية أو الانتخابية.

    وفي السياق نفسه ، كانت الأبحاث التي تنجزها المؤسسات الإعلامية نفسها ولحسابها، للتعرف على جمهورها الخاص، تصب، هي الأخرى، في اتجاه الأهداف التجارية؛ وغالبا ما كانت لاحقة لما أنجز بهدف التقويم، ونادرا ما كانت قبلية لتمثل أرضية في أي تخطيط محكم قائم على معرفة حقيقية وشاملة بالجمهور المستهدف من وراء أي عمل إعلامي ناجح[3].

    وتمثل مشاريع الأبحاث التي تُمَوَّلُ لأهداف تسويقية، اقتصادياً وسياسياً وإعلامياً، نسبة كبيرة من هذه الدراسات التي نجدها تركز على الوصف الكمي ضمن المنظور الفردي لعضوية أفراد الجمهور. إلا أن الاهتمام بعضوية الجماعة والمفهوم السوسيولوجي للجمهور بدأ يتجلى مع مستهل العقد الخامس وبداية العقد السادس من القرن الماضي، و هذا بعد ما تبنت وتكفلت مؤسسات أكاديمية بدراسة ظاهرة الجمهور وتحليلها لأهداف علمية بالدرجة الأولى. حيث ظهرت الحاجة إلى أطر ومناهج للبحث تكون أكثر قدرة على تقديم تفسير متكامل لظاهرة الجمهور وعلاقة سلوكه بالرسائل الإعلامية والإعلانية التي يتلقاها من وسائل الإعلام المتجددة باستمرار. وقد أصبحت هذه الرسائل الإعلامية والإشهارية شيئاً فشيئاً جزءاً من الحياة اليومية، يتعامل معها الإنسان في حياته المهنية والفردية والأسرية والجماعية، إلى أن بلغت درجة التعقيد مستويات عالية جرَّاء الانتشار الواسع والسريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال المتجددة؛ وأصبحت، بالتالي، المناهج التي كانت قد توصلت إليها دراسات الجمهور غير قادرة على الإلمام بجميع الأبعاد التي أدخلتها هذه التكنولوجيات على الحياة الاجتماعية.

    ولعل أحد أسباب هذا العجز المبكر لمناهج أبحاث الجمهور، يرجع لكون نموذج هذه الأبحاث هو أمريكي بالدرجة الأولى تم تصديره إلى مختلف بلدان العالم. ولقد كانت أبحاث الجمهور الأمريكية حول خصائص جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية، بعد الحرب العالمية الثانية، سلوكية أمبريقية، حيث يشير الباحثون إلى أنه مع بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بدأت بحوث الإعلام الأمريكية تشق طريقها نحو أوروبا وأصبحت مصطلحات مثل "الجماهير" و"التأثيرات" و"الوظائف"، التي كانت مؤشراً عن الانشغالات الأمريكية، قد نظمت وأطرت الكثير من الأبحاث على جانبي الأطلنطي (الولايات المتحدة وأوروبا). وكانت هذه الدراسات تنحصر في مجالات متخصصة قليلة مثل الصحافة و الإذاعة والتلفزيون والفيلم وما يسمى "الثقافة الشعبية"، أي محتويات وسائل الإعلام الجماهيرية[4]

    ولأن الجمهور تم اعتباره جمهوراً حاشداً سلبياً وغير فعال، وأصبح مصطلح "الجماهير" ساكناً في لغة الباحثين بمعناه الأضعف، فكانت المشكلة بالنسبة للباحثين الأمريكيين في الاتصال، تتمثل في الإجابة على سؤال كيف يحدث الإقناع، وهو الهاجس المسيطر على البحوث والأمبريقية السائدة بدون منازع. وفيما يتعلق بتقليد نقاد الثقافة الجماهيرية، وبخاصة لدى رواد مدرسة فرانكفورت ومركز الدراسات الثقافية البريطانية بجامعة بيرمينغهام، فالسؤال الأساس الذي كان يطرح على مستواهم هو متى وكيف تفسد الأفلام والتلفزيون والكتب عقول الناس بسلبهم قيمهم الثقافية الأصيلة وتلقينهم قيم الثقافة المهيمنة.

    وعليه، فإن الدراسات الاتصالية الأمريكية سواء الجماهيرية أو الاتصال الشخصي كان هدفها هو تحديد الشروط النفسية والاجتماعية الدقيقة التي يتم في ظلها تغيير الاتجاهات وتكوينها أو تعديلها، والسلوكيات يتم تثبيتها أو تعديلها أو إعادة توجيهها. أما الأشكال المحددة من الثقافة- الفن والطقوس والأساطير، الخ- فلا تدخل في التحليل إلا بصفة غير مباشرة، هذا إذا تم إدخالها، وهي تدرج في التحليل طالما كانت تساهم في مثل هذه الشروط الاجتماعية أو تشكل قوى نفسية.

    في تلك المرحلة كان الباحثون الأوروبيون يوجهون اهتمامهم نحو الماركسية والظاهرتية والبنيوية والنقد الأدبي لدراسة الظواهر الاتصالية. لكن هذا التقليد لم يجد طريقه إلى بحوث الإعلام بالولايات المتحدة، حيث لم يبدأ الباحثون الأمريكيون يهتمون بمثل هذه المقاربات إلا في وقت لاحق وبنسبة ضئيلة جداً بالمقارنة مع بحوث التقليد الأمبريقي.

    ولقد انتشرت نفس الظاهرة، أي ظاهرة التقليد الأمريكي الأمبريقي، في معظم البلدان النامية وبصفة خاصة بلدان أمريكا الجنوبية. وتم ذلك عن طريق الوكالات الدولية والهيئات الأممية أو بعثات الطلبة إلى أوروبا وأمريكا الشمالية؛ حيث كان الانشغال بمسألة التأثير أقوى في هذه البلدان النامية لأسباب تاريخية ومقتضيات التنمية وما تتطلبه من تجنيد لوسائل الإعلام من أجل إحداث تغييرات منشودة على مستوى السلوك والأفكار والاتجاهات. فعلى سبيل المثال، كانت معظم بحوث الإعلام مع نهاية الستينيات و بخاصة مرحلة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي تتم ضمن أنموذج، أي برادغم، الإعلام والتنمية، كما حددته منظمة اليونسكو والرواد الأوائل من الباحثين مثل لرنر وشرام وروجرز وباي[5]….، بينما لم يجد التقليد الأوروبي في بحوث الاتصال بمفهومه الشامل طريقه إلى البلدان الواقعة في محيط التأثير الأوروبي مثل الجزائر، إلا بنسبة ضئيلة جدا، وهذا رغم القرب الجغرافي واللغة وبعثات الطلبة. فعلى سبيل المثال، كانت البحوث الإعلامية على مستوى أطروحات الدكتوراه التي تنطلق من منطلقات نظرية راسخة في التقليد الأوروبي، كالبنيوية والظاهرتية والسيميولوجيا، وغيرها، في دائرة علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر، كانت نادرة جدا[6].

    وكان مفهوم الجمهور، كما هو سائد في معظم البلدان الانتقالية، مغايراً في الكثير من جوانبه لطبيعة المفهوم الأصلي في البحوث الأمريكية، حيث يعني في هذه الأخيرة أن الفرد من الجمهور سيد في استهلاكه واختياراته المختلفة. أما في معظم البلدان الانتقالية، ومنها الجزائر، حيث سادت ونفذت لعقود من الزمن خطابات تمجد الجماعة على حساب الفرد الذي لم يكن ينظر إليه على أنه سيد وحر في اختياراته، وإنما كان ينظر إليه، في سياق الفكر الممجد للجماعة على حساب الفرد، كقاصر وغير راشد، وبالتالي تتكفل بعض المؤسسات العمومية، ومنها وسائل الإعلام بتوعيته وتحسيسه وتربيته تثقيفه وتحديد احتياجاته الأساسية والكمالية والعمل، أو على الأقل التظاهر بالعمل، على تلبية بعض تلك الاحتياجات الأساسية.

    الاتجاهات الحديثة في مقاربات الجمهور

    في هذا السياق، نحاول أن نلقي بعض الضوء على تطور دراسات الجمهور وما توصلت إليه لدى المجتمعات الرائدة في تلك الدراسات، في ظل التطورات والتغييرات الاجتماعية السريعة المصاحبة لـِ "الانفجار الإليكتروني"، ومقارنتها بما يجري، في سياق زمني واجتماعي وسياسي واقتصادي مشابه، في المجتمعات الحديثة العهد بوسائل الإعلام، على غرار الجزائر التي كان يمكن أن تشكل نموذجاً نظرا لجملة من العوامل التي قد ترشحها لتمثيل تلك البلدان في هذا المجال، في مقدمتها الانتماء للفضاء الحضاري العربي الإسلامي والموقع الجيو-سياسي وسط الشمال الإفريقي و على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، أي تعر ضعها وتأثرها بمختلف التيارات الحضارية وتأثيراتها فيها بالقدر الذي سمحت به وسائل الاتصال التقليدية.

    إن تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة قد أدخلت أبعاداً تقنية واقتصادية وثقافية واجتماعية جديدة على الفضاء الاتصالي عامة وعلى الفضاء الاتصالي داخل العائلة، كوحدة قاعدية للتحليل السوسيولوجي الجزئي، بصفة خاصة، حيث أصبح هذا الفضاء الاتصالي العائلي يتميز بنمط جديد من التفاعل بين أفراد الأسرة من جهة، و من جهة ثانية، فيما بينهم وبين التكنولوجيات المنزلية التي أضحت ديكورا أساسيا في أغلبية المنازل، وخاصة الحواسب المرتبطة بالشبكة العنكبوتية العالمية بالنسبة لبعض العائلات الجزائرية، وتلفزيونات الانترنيت التي يُتَوَقَّعُ أن تحل محل تلفزيونات الكابل والساتل التقليدية والمشفرة في أوروبا بعد أن سجلت تقدما ملحوظا في الولايات المتحدة الأمريكية[7].

    وعليه، فإن مجموع العناصر النظرية لمساهمة مقاربة التلقي يمكن أن تساعد على رسم معالم منهجية تمكِّن من دراسة النسق التفاعلي للجمهور العريض في المنزل وحصر مختلف الإجراءات الشرطية لقبول تكنولوجيات اتصال منزلية، ومحاولة تصور نموذج اتصال بديل للنماذج التقليدية التي أصبحت مجتمعةً غير قادرة على احتواء الأبعاد الجديدة التي أسفرت عنها التكنولوجيات المتجددة.

    من وجهة النظر هذه، فإن الاتجاهات الحديثة في مقاربة جمهور وسائل الإعلام تهدف إلى إبراز محاور تفرضها البيئة العلمية والتقنية الجديدة على الحياة في مجتمعات ما بعد الحداثة والتي بدأت تُوصَفُ بأنها إليكترونية من جهة، وتؤطرها المعارف الإنسانية التي توصلت إليها العلوم الإنسانية والاجتماعية من جهة ثانية، وتتمثل هذه المحاور في:

    أ) إدخال مفهوم السياق المنزلي (Domestic Context) في التنظير لعملية التلقي؛

    ب) اختيار الأسرة (Household) كوحدة للتحليل ومفهوم الديناميكية الأسرية والتحليل الاجتماعي الجزئي (Micro-Social Analysis)؛

    ج) توجيه منهجية البحث نحو آفاق إثنوغرافية للبحث عن التفاعلات بين أفراد الجمهور (العائلة) أمام شاشة التلفزيون أو الحاسوب، سواء لعرض البرامج مباشرة من القنوات أو اختيارها أو استرجاعها من بنوك المعلومات في أنظمة الاتصال الرقمية أو قراءتها من أشرطة الفيديو أو الأقراص المضغوطة[8].

    تشكل، إذن، هذه المقاربات التقليدية والحديثة في أبحاث الجمهور، المرجعيات النظرية لجل الدراسات الإعلامية، حيث تبدو المجتمعات الانتقالية، ومنها المجتمع الجزائري، محكوم عليها بالاندماج الجبري في عالم العولمة، وبالتالي حتمية تكييف هذه المقتربات مع خصوصياتها المحلية تعويضا للعجز الفادح في إنتاج بدائل نظرية ومنهجية خاصة.

    فالمجتمع الجزائري، على سبيل المثال، قد شهد خلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي، وبداية هذا القرن تطوراً مضطرباً نتيجة جملة من العوامل الداخلية والخارجية، لم تمكنه من إرساء أسس استقرار و توازن اجتماعيين ضروريين لأحداث أي تغير اجتماعي في الاتجاه الموجب طبقا للأهداف المعلنة ضمن مواثيق الحركة التحررية والاستقلال الوطنيين. فبعد زهاء نصف قرن من الإنعتاق عن القوة الاستعمارية السابقة وممارسة شكل من أشكال الاستقلال؛ يفترض أن حوالي نصف قرن من الزمن تقريبا يكون كافياً لتثمين التجربة الذاتية واستخلاص النتائج ووضع مشروع توافقي واضح، على الرغم من الدور الفعال الذي لعبته وسائل الإعلام الجماهيرية على امتداد معظم القرن الماضي في مساعدة البشر أفراداً وجماعات ومجتمعات على إحراز تقدم سريع، لم يكن ممكنا في مرحلة ما قبل وسائل الإعلام، وذلك بفضل التدفق الهائل للمعلومات والمعارف ومعالجتها واستخدامها بكيفية فعالة في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية[9].

    ومما زاد في اتساع الفجوة بين النوايا العلنية وتطور اتجاهات الواقع المعيش، وبالتالي انتكاس الطموحات في اللحاق بركب البلدان المتطورة، تلك السرعة الهائلة في إيجاد الحلول للمشاكل المختلفة بفضل تطبيقات تكنولوجيات الإعلام المتجددة وتوغلها في مختلف مناحي الحياة اليومية من جهة، ومن جهة أخرى موقف السلطات العمومية الفعلية ونظرة المجتمع لقدرات العلم والفكر والثقافة[10] على إحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.

    ولقد دفعت هذه المواقف إلى جانب أحداث العنف المسلح التي اندلعت في بداية التسعينيات من القرن الماضي، واستمرت إلى بداية القرن الواحد والعشرين الحالي، عدداً معتبراً من الباحثين في مختلف فروع العلم والمعرفة الذين تكونوا في الجامعات الغربية في عقدي السبعينيات و الثمانينيات، إلى الهجرة في اتجاه الغرب والشرق بحثا عن ظروف اجتماعية وأمنية ومالية ومهنية تمكنهم من تحقيق ذواتهم الإنسانية أولاً، وكينونتهم العلمية وضمان أمنهم الجسدي والمعنوي[11]، في حين كان من الممكن أن يسهموا ليس فقط في تطوير البحث العلمي في مجال تخصصاتهم، ولكن في تصور الحلول للعديد من المشاكل.

    ولم يتمكن الذين واصلوا، لأسباب مختلفة، مهام التدريس والبحث على مستوى الجامعات الوطنية بدورهم من إحداث تطور محسوس في التراكم المعرفي واستغلال وتطبيق مهاراتهم العلمية المكتسبة في مثل تلك الظروف التي لم تسمح بإيجاد الحد الأدنى الواجب توفره لأي نشاط إنساني في المجتمعات البشرية الطامحة للرقي والرفاهية.

    غير أن تحسن الظروف الأمنية ابتداء من بداية العشرية الأولى من القرن الحالي ومحاولة الجزائر الاندماج في مسار العولمة، أوجد نوعاً من الاستقرار سمح لعدد من الطلبة والأساتذة من إجراء عدد معتبر نسبياً من الدراسات والأبحاث التي قد تشجع على الانطلاق نحو آفاق جديدة في مجال البحث العلمي. وقد تنعكس الحركية الجديدة على مناهج البحث في مختلف العلوم الإنسانية والاجتماعية بصفة خاصة، وفي علوم الإعلام والاتصال بصفة أخص، وفي ميدان جمهور وسائل الإعلام بصفة أدق.

    في هذا السياق، شهدت السنوات الأخيرة دفعا هاما للدراسات المتعلقة بجمهور وسائل الإعلام أثرى المكتبة الجامعية ووفر كمّاً معتبراً من المعطيات النظرية والمنهجية الخاصة بتأثير وأثر الرسائل الإعلامية على جمهور المتلقين.

    ولكن يبدو، لأول وهلة، أن هذه الدراسات تستند في أغلبيتها إلى أنماذج (Paradigms)[12] تقليدية تشاؤمية و/أو تفاؤلية، وضعت في ظروف تاريخية متعلقة بالتطور التاريخي العام وبتاريخ تطور وسائل الإعلام الجماهيرية وملابسات بيئات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية، لم تعد قائمة في المجتمعات المرجعية نفسها. وتوفرها المحتمل في مجتمع الدراسة، أي البلدان الانتقالية، نموذج الجزائر، والبحث بشكل قد يشبه تلك الأشكال التي وجدت عليها في مجتمعاتها الأصلية، قد لا يبرر استعمال نفس المناهج على أمل الوصول إلى نفس النتائج في بيئات مختلفة على الصعيدين السوسيولوجي- الثقافي والتاريخي.

    نحو مقاربة بديلة

    إن السؤال الذي يطرح في هذا السياق يتعلق، بمدى الانسجام بين واقع جمهور وسائل الإعلام والدراسات المتعلقة به في الجزائر، من جهة، وبينها وبين المنطلقات النظرية والمنهجية التي تستند إليها والتي توصلت إليها أبحاث الجمهور في المجتمعات المرجعية. ونحاول، من خلال طرح هذه الإشكالية ومحاولة الإجابة عنها، المساهمة في تصور مقترب بحث بديل في دراسات الجمهور يستند إلى العناصر التنظيرية التي خَلُصَتْ إليها دراسات ظاهرة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية.

    ويأخذ المشروع المقترح المرتكز على العناصر النظرية والأمبريقية الحديثة، بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية الديموغرافية والسوسيو-ثقافية التي تلعب الدور الأساس في التفاعل الاجتماعي فيما بين أفراد الجمهور بمناسبة التعرض للرسائل الإعلامية (كمنبهات) من جهة، وفيما بين المتلقي والمرسل في سياق سوسيو-تقني-ثقافي وتكنولوجي جديد، من جهة أخرى.

    إن التحليل النقدي لعينة من الأبحاث التي تناولت جمهور وسائل الإعلام في الجزائر خلال العشريتين الأخيرتين، 1990/2009، مثل المجتمعات الانتقالية المشابهة لها، يبين أنها لم تتمكن من التميُّز و التفرُّد عن هذه البلدان الانتقالية، برغم توفرها على قدرات بشرية ومادية وتقنية وثقافية يفترض أنها تمكنها من توظيف التقدم العلمي والتكنولوجي في إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل الاجتماعية والثقافية المطروحة، والمساهمة في بناء نظرية للدراسات الإعلامية تسترشد بما توصلت إليه مختلف علوم الإعلام والاتصال. وذلك، في سبيل الإسهام في التأسيس لمنهج بحث يأخذ بعين الاعتبار ليس خصوصيات المجتمعات الانتقالية والظروف التي أدخلت فيها وسائل الإعلام وكيفية تشكيل ظاهرة الجمهور تبعا لذلك فحسب ، وإنما ضرورة الانتقال من التحليل الكلي ذي النظرة الشمولية للمجتمع إلى التحليل الجزئي الذي يعيد الاعتبار للوحدة الاجتماعية الأساسية، الأسرة ومفردات مكوّناتها الجزئية التي يمثلها أفراد الأسرة[13].

    إن التحليل الجزئي والكيفي الذي يميز ما يُعرف بأنموذج التلقي في دراسات الجمهور أكثر ملاءمة للتقرُّب من ظاهرة جمهور وسائل الإعلام، وبصفة خاصة جمهور التلفزيون، في المجتمعات الانتقالية، وتحديداً في الجزائر نظراً لما تتميز به هذه الأخيرة من تنوع ثقافي وتعدد إثني وعلاقات وروابط تقليدية تجعل مسألة تلقي الرسائل الإعلامية تتم في سياق وبطريقة تختلف عما هو جارٍ في مجتمعات تفتقد إلى مثل تلك العلاقات والروابط التقليدية.

    ويلاحظ من خلال مراجعة أدبيات دراسات الجمهور والإطلاع الأولي على محتويات عينة من الأبحاث، وملاحظة الواقع الاجتماعي-السياسي العام، أن النظرة الأولية للتأثير البالغ الذي تمارسه وسائل الإعلام على جمهور المتلقين، أي النظرة السلبية للجمهور، لازالت انشغالا أكاديميا وأجندة عمومية في الجزائر التي لا زالت السلطات العمومية فيها تتردد في فتح الفضاء الإعلامي السمعي-البصري أمام المنافسة والمبادرات الخاصة على غرار الصحافة المكتوبة، بل عادت في بداية هذا القرن إلى تشديد الرقابة على الصحافة الخاصة من خلال تعديل قانون العقوبات2001[14]، والتأكيد على تمسك الحكومة بالرقابة المباشرة على الإذاعة والتلفزيون عن طريق الملكية وسنّ القوانين والتنظيمات المناسبة لذلك. وترى السلطات العمومية، ممثلة في وزارة الإعلام أنه " ينبغي أولاً وقبل التفكير في فتح مجال السمعي البصري أمام المبادرات الفردية، تحديد طبيعة المنتوج الإعلامي، هل هو مادي تجاري أم ثقافي فكري؟ وهل يتكفل الخواص بتنمية قطاع غير مربح تجاريا؟ هل يمكن للدولة في حالة الجزائر أن تتخلى عن المدرسة والجامعة والإعلام؟"[15]

    فد يرجع هذا التردد والتخوف من تحرير وسائل الإعلام السمعي-البصري إلى الاعتقاد المستمد من النظرة الأولية التشاؤمية التي صاحبت ظهور وانتشار وسائل الإعلام السمعية-البصرية في بداياتها الأولى، وكانت الانطلاقة الفعلية للبحث العلمي الإعلامي في الغرب في الثلاثينيات من القرن الماضي، قد انعكست على مستوى الاهتمام الأكاديمي في الجزائر في بداية الانفتاح السياسي والاقتصادي. وكان هذا الانفتاح قد ترجم في الحقل الإعلامي من خلال تخلي الدولة والحزب الواحد عن احتكار ملكية ورقابة وسائل الإعلام المكتوب، ومن خلال التدفق الإعلامي الفضائي الحر (الفضائيات التلفزيونية) والافتراضي (شبكة الواب) الذي فرضته تكنولوجيات الإعلام والاتصال بداية من العشرية الأخيرة من القرن الماضي[16]. ويعني ذلك أن الظروف السياسية والاقتصادية والإعلامية لجزائر بداية القرن الواحد والعشرين، تتشابه مع ظروف المجتمعات الغربية في الثلاثينيات حين ظهور الحاجة لمعرفة تأثير الدعاية والحملات الانتخابية والتجارية الذي قد تمارسه وسائل الإعلام على سلوكيات أفراد الجمهور، وبالتالي على المجتمع، وعلى توجهات الرأي العام.

    كما أن هذا الواقع السياسي والاقتصادي الجديد وانعكاساته على الميدان الإعلامي والأكاديمي، أدى إلى بداية الاهتمام بالجمهور لمعرفة خصائصه وحاجاته واهتماماته وأنماط تفاعله مع الرسائل الإعلامية المتنوعة التي يتعرض لها من مختلف وسائل الإعلام المتاحة؛ ولفهم كيفية تكوين وتوجيه الرأي العام الوجهة التي ترضي القائم بالاتصال، بمعنى أن الانشغال بتأثير وسائل الإعلام على سلوك الجمهور واتجاهاته وآرائه، قد انتقل من الحقل السياسي والاقتصادي إلى المجال الأكاديمي.

    فمن حيث الموضوع وانطلاقا من السياق السياسي والاقتصادي والأكاديمي المشار إليه آنفا، يبدو أن أغلبية أبحاث الجمهور في الجزائر وخاصة التي ركزت على الجمهور، كطرف أساس في العملية الاتصالية، انصبَّ اهتمامها على إشكالية التأثير (Effect) ونادراً ما اهتمت بمسألة الأثر (Impact) ناهيك عن التفاعل والتفاعلية (Interaction, Interactivity). وقد لا تهتم إطلاقا بواقع الجمهور الذي لم يعد ذلك المتلقي السلبي وإنما هو الذي يحدد طبيعة وكيفية ومدى استجابته للرسائل التي يختار التعرض لها.

    أما من حيث المنطلقات النظرية التي تؤطر هذه الأبحاث، وانطلاقا من اعتبار تشابه ظروف الجزائر في بداية القرن الحالي مع ظروف المجتمعات الغربية في بداية القرن الماضي، أي البدايات الأولى لدراسات الجمهور، يبدو أن هذه الأبحاث ركزت على النماذج التشاؤمية التقليدية، من مثل نظريات التأثير البالغ، ونظرية الوخز الإبري والجمهور السلبي وتأثير قادة الرأي والجماعات المرجعية. هذه النظريات لم يعد يعتد بأغلبيتها في المجتمعات الرائدة إلا على سبيل الاستئناس بمنحنى التطور التاريخي والتراكم المعرفي.

    واعتبارا لاستمرار الاعتقاد بالقوى السحرية لوسائل الإعلام، فإن أبحاث الجمهور لازالت تستند إلى نماذج تقليدية. وعليه، فإن معظم أبحاث الجمهور في الجزائر لا تتموقع ضمن برادغم محدد ولا تستند إلى نظرية بعينها، الأمر الذي يستدعي البحث عن آليات التأسيس لمنهجية جديدة ترتكز على ما توصلت إليه خلاصات الأبحاث الحديثة وتأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية، وهو ما يشكل موضوع بحث تكميلي لهذه الدراسة المرتكز حول ملاءمة المقترب الإثنوغرافي لدراسات سلوكيات جمهور وسائل الإعلام في مثل هذه الفضاءات التقنية الثقافية- الاجتماعية.

    خلاصة

    أعتقد أن أبحاث الجمهور في الجزائر، كما هي عليه في معظم البلدان الانتقالية المشابهة لها في الظروف والشروط العامة، ما تزال مجالا خصباً تزداد خصوبته تبعا لوتيرة التأثيرات التي تحدثها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة. ومن هنا، أعتقد، أن أبحاث الجمهور ومكانتها في الدراسات الشاملة للإعلام والاتصال "الجماهيري" في ظل العالم الإلكتروني المعولم الذي يرخي بظلاله في كل مكان من هذا الكون بما فيه الجزائر، يحتاج إلى دراسة خاصة معمقة لبحث عوامل ودواعي وأهداف توجّه منهجي جديد بدأ يحتل الصدارة في أبحاث الجمهور منذ ثمانينيات القرن وتكثف استعماله منذ مطلع القرن الحالي.

    ويتمثل التوجه الجديد في المنهج الإثنوغرافي في دراسة السلوك الاتصالي للجمهور والتفاعلات الممكنة مع الرسائل الإعلامية التي يتلقاها من مختلف الوسائط المتوفرة في الفضاء الاتصالي الجديد الذي تشكل الأنترنات أهم وسائطه على الإطلاق، وأوسع مجال الثقافة التفاعلية بين الإنسان والمحيط التكنولوجي.

    لقد أصبحت الأنترنات التي منذ الشروع في استعمالها في الفضاء العمومي في الغرب في التسعينات من القرن الماضي، تنافس التلفزيون، كأداة تكنولوجية منزلية جديدة. وتحوّل، بالتالي، انشغال الآباء والمربين، من التخوف من تأثير التلفزيون على السلوك العام للأطفال، إلى التأثيرات المحتملة لهذه الوسيلة الوافدة المتوغلة بقوة خارقة وبسرعة فائقة في مختلف مناحي حياة الناس، هذا الانشغال نابع أساسا من عدة اعتبارات، لعل في مقدمتها:

    - أن المقبلين على استخدام هذه الوسيلة هم في أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والمراهقين، حيث توصلت دراسة أجريت في بريطانيا أن 75 في المائة من مستعملي الأنترنات تتراوح أعمارهم بين 7 و16 سنة، بينما يتناقص إقبال الراشدين (25 في المائة الباقية) كلما ارتفع معدل السن إلى أن تبلغ الأمية الاليكترونية أوجها لدي فئة العمر الأكبرمن50 سنة، حيث تتجاوز نسبة الممتنعين عن استعمال هذه التكنولوجيات الحديثة في أوروبا أكثر من 60 في المائة لأسباب تعود في أغلبيتها إلى الأمية الإلكترونية وكراهية التكنولوجيا (Technophobia).

    - إن جهل الآباء بهذه التقنية يصعب من عملية المراقبة واستعمال هذه التقنية من قبل الأطفال والمراهقين

    - أن الأنترنات أعاد تشكيل وصياغة العلاقة بين عدد من المواضيع والأطراف المتفاعلة مثل المنزل والمدرسة والنادي والتعليم والأولياء والمربين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين، حيث طرحت جملة من التساؤلات لم تتم الإجابة عنها بعد.

    - أن القيمة التعليمية للأنترنات لم تتأكد بعد، وقلة التجربة بها تجعلها مصدر ريب وخشية.

    - أن الأنترنات أعاد الاعتبار للمنزل كفضاء لإنتاج المحتوى ومكان لتلقي العلم والمتعة والترفيه والمزاح.

    - أن الدردشة هي شكل من أشكال المشاركة المدنية في الحياة الاجتماعية، كما ينظر إليها على أنها شكل من أشكال الانسلاخ عن المجتمع المحلي.

    _ أن الفجوة الرقمية المتمثلة في اللامساواة في القدرة والإمكانيات المتوفرة لاستعمال التكنولوجيات الحديثة، لا تظهر فقط فيما بين الفئات الاجتماعية ذات الخلفيات المختلفة، ولكن تتجلى خاصة في القدرة على استعمال الأنترنات في إشباع الحاجات المختلفة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المتنوعة المطروحة.

    لقد استدعت خصوصيات هذا الفضاء الاتصالي الجديد الذي هو، في الحقيقة، امتداد للفضاء الناجم عن الاستعمال المكثف للتكنولوجيات المنزلية، تعميم الاختيارات المنهجية الإثنوغرافية للتوجه الجديد في أبحاث الجمهور. وهي تندرج، عموما، فيما أصبح يعرف بالمنهجية الإثنوغرافية (Ethnomethodology) في دراسات التلقي، والتي تستلزم تحديد إثنوغرافيا الجمهور وإجراء تحريات علمية حول أنظمة التأويل والعمليات التي يقوم بها المتلقون. وتستند خطوات البحث إلى مختلف وحدات التحليل: الفرد باعتباره موضوع اجتماعي وذات فردية (Social Subject & Individual Subjectivity)، والجماعة والعلاقات ما بين الذات المشتركة (Intersubjective) في تجربة الحياة اليومية للجماعة.

    وإلى جانب الأنترنات، تكثف استعمال الاتجاه الإثنو- منهجي في دراسات الجمهور على ضوء عولمة الرسائل الإعلامية المتسارعة والمتوسعة بفضل البث التلفزيوني المباشر عبر السواتل والأنظمة الرقمية والقنوات المشفرة وتلفزيون الأنترنات الذي يتوقع أن يحل محل القنوات المشفرة خلال العشرية القادمة.

    ويرى رامسوامي (Ramaswami Harindranath, 2005)، أن هناك صنفين من دراسات الجمهور الشامل الحديثة (Global Audience) بدأت منتصف العشرية الأولى من القرن الحالي تركز على دور المجموعات الإثنية: الصنف الذي أعاد بعث أطروحات الإمبريالية الثقافة والإعلامية (Media/cultural Imperialism)، ويحاول إعادة صياغتها في إطار التيارات المناهضة للعولمة، والصنف الذي يوجه البحث من جديد إلى دور وسائل الإعلام في تكوين هويات الأقليات (Diasporic Identities) المشتتة خارج بيئاتها الطبيعية الأولى، خاصة دورها في تكوين تصورهم لهوياتهم الإثنية في بيئاتهم الجديدة.

    إن الإشكالية التي يعيد رامسوامي طرحها والمستمدة أساسا من خلاصات مثالين كان قد توصل إليها كل من ليا بز وكاتز (Liebes & Katz, 1993) وجيل صبــاي (Gillespie, 1995) المتعلقة بأبحاث الجمهور العابرة للثقافات (Cross-Cultural) وأقليات الشتات المنسلخة من جذورها الإقليمية، تخص بالدرجة الأولى إبراز الانتماءات الإثنية كعوامل محددة للسلوك الاتصالي ولنمط التفاعل الإعلامي. فقد لاحظ جيل روي (Gilroy, 2004)، أن التيارات الثقافية المتعددة (Multiculturalism) المثيرة دائما للنقاش حول الإثنية الثقافية، على سبيل المثال، أخذت أبعاداً جديدةً تبعاً لطبيعة قراءة وتفسير الاعتبارات الأخيرة المتعلقة "بالحرب ضد الإرهاب" (War On Terror)، خاصة في أمريكا الشمالية وأوروبا واستراليا.

    ويبدو من خلال معالجات قضايا تمايز الهويات الإثنية المعقدة وعلاقاتها بمسائل الانتماء العرقي وبالثقافة العابرة للأمم والأوطان (Transnational Culture) على الصعيدين التنظيري والتطبيقي، أن هناك وعي متزايد بضرورة إعطاء أهمية معتبرة لهذه المواضيع الحساسة، وإعادة اختبار مدى قابلية بعض الخلاصات للتعميم على مختلف الحساسيات المحلية في بقاع شتى من العالم.

    في سياق هذا النمط من التفكير والممارسات البحثية، تعتقد أنغ (Ang, 2001)، أن معالجة الخطابات "الوطنية" في علاقاتها بثقافة العولمة، تصبح مسألة أكثر ملائمة في حالة شرق آسيا حيث ساهم النمو الاقتصادي منذ أوائل التسعينات في ارتفاع موازي في الشعور بالثقة الذاتية (Self-confidence) الوطنية والإقليمية في مقابل تبسيط الشعور المناهض للغرب الذي أصبح ينظر إليه كفئة تحليلية وجغرافية غير متمركزة (Decentred)، الأمر الذي يسمح للثقافة العابرة للأمم أن تتوغل (Incorporate) في التمايز الثقافي والإثني من خلال إعادة تصور أطروحة تأسيس الانسجام (Homogenization) في الثقافة الشاملة. ولاحظت أنغ في نفس المضمار، أن هذا الوعي الغربي بضرورة "أمحلة" (Localization) العولمة، دفع بمقرري برامج التلفزيونات الفضائية، على سبيل المثال، إلى التكيف مع نتائج تلك الدراسات المتعلقة بالجمهور الشامل، مشيرة إلى قرار التلفزيون-النجم(TV Star) المملوك لمردوخ (Murdoch) بتنويع الخدمات الإعلامية والتثقيفية والترفيهية المتفرقة بمختلف اللغات المحلية، كاعتراف ضمني وصريح بالتنوع الثقافي في منطقة جغرافية معينة تبعاً للتنوع اللغوي والديني والتقسيمات الاجتماعية الأخرى، وبالتالي، الاعتراف باختلاف مصالح واهتمامات الجمهور التي تحدد أشكال مشاركته في مضامين الاتصال التي يسهل عليه إدماجها في بيئته المحلية.

    وعلى الرغم من الخلط بين"العرقية" و"الإثنية"، وحسن النية المفترض في دراسة عينة من الجمهور الشامل التي أنجزها كاتز وليابز (Liebes & Katz, 1993 ) حول استجابة مجموعات إثنية مختلفة (عرب، يهود روس، يهود مغاربة، وكيبيتزيم (Kibbutzim) وأمريكيين) لمسلسل دلاس، فإنها أثبت خطأ الاعتقاد المفترض القائل "أن بث نصوص مثل البرامج التلفزيونية الأمريكية يقبلها الجمهور الدولي ويتقبلها بدون نقاش".

    يمكن، عموما التأكيد على ضوء ما توصلت إليه أبحاث الجهور الحديثة، أن المنهج الإثنوغرافي، رغم أنه براغماتي بدرجة أولى(يأخذ بعين الاعتبار فقط المصادر المتوفرة والمعطيات المستهدفة من البحث)، يبقى أنسب مقاربة تسمح بالدخول إلى عوالم العائلات وسياقاتها في إطار تلقى الرسائل الإعلامية كفعل فردي واجتماعي ووصف أفعال هذه العائلات وإشاراتها في علاقتها مع استعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والاتصال.فالمقترب الإثنوغرافي، يركز على فهم السلوك في سياق اجتماعي عبر مشاركة الباحث في الوضعية المدروسة مشاركة فاعلة ضمن الفريق موضوع الدراسة.

    كما يوفر المقترب الإثنوغرافي تقريراً وصفياً، مستعملاً مجموعة من الأدوات المنهجية في مقدمتها، المقابلات الودية غير الرسمية، والملاحظة بالمشاركة.

    والجزائر[17] واحدة من البلدان الانتقالية الأكثر تعرضاً لقضايا الاتصال الراهنة لاعتبارات جيو-سياسية(الحرب ضد الإرهاب) واقتصادية(البترول والطاقة الشمسية) وثقافية(غربية لاتينية وأنجلو-سكسونية وعربية إسلامية) وإثنية (أمازيغ من قبائل وشاوية وتوارق ومزابية وعرب)...، يمكن أن تشكل مخبراً طبيعياً ملائماً لدراسة وبحث إمكانيات دراسة تفاعل وتفاعلية جمهور وسائل الاتصال الجماهيري مع الرسائل الإعلامية، وأيضا مع أدوات ووسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة، وفقاً لمعطيات إثنوغرافية، وهو ما تناولته في دراسة مستقلة ستنشر لاحقاً.

    * مراجع عربية وأجنبية

    - سمير أمين وخرون، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002.

    - روبرت هولب، نظرية التلقي: مقدمة نقدية، ترجمة عز الدين إسماعيل، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 1994

    - طه عبد العالي نجم، الاتصال الجماهيري في المجتمع العربي، دار المعرفة الجامعية، 2005

    - محمد طلال، واقع الدراسات والبحوث الإعلامية في الوطن العربي، في وسائل الإعلام وأثرها في المجتمع العربي المعاصر، منظمة الأليسكو، تونس 1992.

    - محمد عبد الحميد، دراسات الجمهور في بحوث الإعلام، عالم الكتب، القاهرة 1993

    - ويليام ريغر/ ترجمة: أحمد طلعت، الاتصال بالجماهير والمجتمع المعاصر،دار المعرفة الجامعية،2005.

    - عبد الرحمان عزي الزمن الإعلامي... مجلة المستقبل العربي، بيروت، 2005

    - علي قسايسية، مدخل لإشكالية جمهور الواب، المجلة الجزائرية للاتصال، العدد 18، 2004

    - كار بنجي، التأثير في الجماهير عن طريق الخطابة، ترجمة رمزي يس وعزت فهيم، القاهرة، 1964.

    Daniel Miller and Don Slater , the Internet, an Ethnography Approach, Oxford Berg, 2000, National Social Science Journal, 20(4):625-643, 1969.

    Dayan, Danielle $ Raconer le Public, Hermès No 11-12, 1993

    Dewey J., the Public and its Problems, Holt Rinehart, NY, 1972.

    Ennis, P. The Social Structure of Communication Systems, A Theoretical Proposal, University of Chicago, 1961

    Erickson, Thomas, Social Interaction on the Net: Virtual Community as Participatory Genre, 1995

    Fbeidson, E., Communication Research and the Concept gf thd Media, American Sociological Review, 18(3):313-317, 1953.

    Fridson Eliot, The concept of Mass Communication research, American Sociological Review, 1993

    James Carey, “Mass Communication Research and Cultural Studies: An American View”, in James Carey, Micheal Gurevitch and Janet Woollacat (Eds) (1977), Mass Communication and Society, Edward Arnold: London.

    Jeppe Nicolaisen, the Epistemological Lifeboat: Diffusion Researches and Reception Studies, April 2005.

    Judith Lazar, Sociologie de la communication de masse, Paris, Armand colin, 1991

    Judith Lazar, La science de la communication, Paris : Edition Dahleb, 1992

    Katz, E. and P.F. Lazarslefd, Personal Influence, Glencoe III, Free Press 1955.

    Klapper, J., The Effects of Mass Communication, New York, Free Press, 1960

    Hammersley, M. and Atkinson, PEthnography: Principles in Practice, London: Routledge, . 1993

    Lazarsfeld P.F.; et al, the People’s Choice, Duell Sloan and peace, NY, 1944.

    Lewis, G.H., Taste cultures and their composition¬ Towards a New Theoretical Perspective, in Katz and Szecsko, 1980: 201-217.

    Lucien sfez, Dictionnaire critiue de la communication,Tome 02 , Paris : Presse universiveire de France, 1993

    Lull, J., The Social Uses of Television, Wartella and windalh, 1983.

    MALLEIN Ph., TOUSSAINT Y., ZAMPONI F., Les Processus de Médiations dans les Nouvelles Technologies de Cïmmunication :0deux études de cas, Grenoble, Université des Sciences Socia²es/Centre d’études des pratiques sociales, 1987.

    Marcus, George E. and Michael Fischer Anthropology as Cultural Critique.`Chicago : University of Chicago Press, 1999.

    Mattelart, Armand et Michèle, Histoire des théories de la communication, Paris, La Découverte, collection Repères, 1995

    McPhail , Electrnic Colonization, Sage Publication, YN, London, Toronto, 3rd Ed, 1985.

    McQuail, D. Mass Communication Theory, Sage Publication, London, 1984,

    Miège, Bernard et De la Haye, Yves, « Les sciences de la communication : un phénomène de dépendance culturelle ? », in De la Haye, Yves, Dissonances. Critique de la communication, Grenoble, La Pensée sauvage, 1984

    Morley, D ., Rethinking the Media Audience, sage publication, London, 1999.

    Morley D., Television, Audience and Culrural Studies, Routlege, London, 1992,

    Morley, D . The Third Generation of reception Studies, in Rethinking the Media Audience, (Ed: Alasantari P), sage, London, 1999..

    Morley, Robins K., Spaces of Identity, Hanul, Seoul, 2000,

    Noelle Neuman, Return to the Concept of Powerful Mass Media, Studies of Broadcasting, 9:66-112, 1973.

    Rose, Dan (1990): Living the Ethnographic Life, Sage Publications, London

    Paul Att Allah, Théories de la communication, Sens, Sujet, savoirs.Québec : Presses universitaire du Québec, 1991

    PERRIAULT J., La logique de l’usage. Essai sur les machines à communiquer, Flammarion, 1989.

    Schramm, W., Mass Media and National Development, Stanford University Press, Stanford, 1964.

    Seymour-Ure C., the Political Impact of the Mass Media, Constable, London, 1974.

    Siebert F.; T . Peterson and W. Schramm, Four Theories of the Press, Urbana III, University of Illinois Press, 1956.

    Silverstone R. Morley, D., Domestic Communication, Media, Culture and Society, University of Brunel, 1990.

    Strelitz, L (2002) ‘Media consumption and identity formation: the case of the “homeland” viewers’, M Barker, Martin & Ernest Mathijs, 2005,

    Thompson, N., Responsible and effective Communication, Boston Mifflin, 1978.

    Zahir Ihaddaden, La Presse Ecrite, Ihaddaden At-Tourath, Alger, 2002

    Yee, Danny: Towards an Anthropology of Internet Communities, 1995

    Sonia Livingsone, Children’s Use of the Internet? New Media and Society? Vol 5 (2), London, 2003

    Harindranath, R (2000) ‘Ethnicity, national culture(s) and the interpretation of television’, in S. Cottle (ed.) Ethnic Minorities and the Media: Challenging Cultural Boundaries. Open University Press.

    - سمير أمين وآخرون، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002[1]

    المنطلقات النظرية والمنهجية لدراسات [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] دراسة تحليلية نقدية لأبحاث الجمهور في الجزائر،

    - - محمد عبد الحميد، دراسة الجمهور في بحوث الإعلام، عالم الكتب، القاهرة،1993[3]

    2- تفاصيل أكثر دقة في الفصل الثالث من دراسة المؤلف حول براديغمات دراسات ا%

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 14, 2024 10:49 am